الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد،،
فالنُّكَتُ([1]) أو المزاح من أجل التسلية جائز من حيث العموم، فقد كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يُرَفِّهُ عن نفسه، فقد روى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ-رضي الله عنه-: أن رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَ لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الصُّبْحَ أَوْ الْغَدَاةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ، فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وينشِدُون الشّعْر، فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ([2]).
وعن عن يَعْلَى بْن مُرَّةَ-رضي الله عنه-: أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ، فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي السِّكَّةِ. قَالَ: فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-أَمَامَ الْقَوْمِ، وَبَسَطَ يَدَيْهِ، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَفِرُّ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، وَيُضَاحِكُهُ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَتَّى أَخَذَهُ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَالْأُخْرَى فِي فَأْسِ رَأْسِهِ فَقَبَّلَهُ”([3])، وما رواه أنس بن مالك-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قال: «روِّحوا القُلوبَ ساعةً وساعةً»([4])، وما روتْه أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها قَالَتْ-: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَوْمَئِذٍ-يعني يوم أنْ لَعِبَ الحبشة في المسجد-: «لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ»([5]).
وقد عقد الإمام الترمذي-رحمه الله-في كتابه (شمائل النبي-صلى الله عليه وسلم-)، بابين مفيدين في ذلك: أحدهما: “باب ما جاء في ضحك رسول الله-صلى الله عليه وسلم-“، والآخر: “باب ما جاء في صفة مزاح رسول الله-صلى الله عليه وسلم-“.
ومن شروط النكت أو المزاح: عدم الفحش فيه، أو السخرية أو الاستهزاء بأحد، أو التنابز بالألقاب فيه. ومن شروطه: وجوب الصدق فيه، وتجنب الكذب؛ لقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فيما رواه معاوية بن حيدة القشيري-رضي الله عنه-: «ويلٌ للذي يحدِّثُ بالحديثِ ليُضحكَ به القومَ، فيكذبُ، ويلٌ له، ويلٌ له»([6]).
وعلى هذا تجوز النكت والمزاح للتسلية، مع وجوب الصدق، وعدم الكذب فيها. والله-تعالى-أعلم.
[1] نكَّت الشَّخصُ :أتى بطُرْفَةٍ أو مُلحةٍ في كلامه تُضحِك الآخرين، ينظر: القاموس المحيظ للفيروزآبادي، ولسان العرب لابن منظور: مادة (نكت).
[2] رواه مسلم (670) وأبو داود (1294) والنسائي (1358).
[3] رواه ابن ماجه (144)، حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، (١١٨).
[4] أخرجه القضاعي في ((مسند الشهاب)) (672)، والديلمي في ((الفردوس)) (3181)، يشهد له ما في صحيح مسلم وغيره من حديث: «يا حنظلة! ساعة وساعة».
[5] رواه أحمد (24334) وصححه الألباني في “صحيح الجامع” (3219) .
[6] أخرجه أبو داود (4990)، والترمذي (2315)، واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11126)، وأحمد (20046)، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2315).