الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين، أما بعد:
فإن غرس الأزهار ورش الماء فوق القبور يعد من البدع، فلم يرو ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا عن صحابته، ولا من السلف الصالح، وقد حذر -عليه الصلاة والسلام- من المحدثات المخالفة لشرع الله فقال: ((عليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين تمسّكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ))([1])، وقد أكمل الله لنا الدين بقوله -جل في علاه-: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، وهذا الكمال دائم في ذاته ودائم للمخاطبين به، فلا يحتاج إذًا إلى زيادة فيه أو إنقاص منه، فأي قول أو فعل مستحدث لا يتفق مع هذا الكمال للدين يعد محرمًا.
وأصحاب القبور أفضوا إلى ما قدموا فلا ينفعهم إلا ما عملوا من عمل صالح في حياتهم، أو ما يفعله ذريتهم من البر بهم بعد مماتهم؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له))([2])، فالأموات لا يستفيدون من هذه البدع، كالأزهار على قبورهم أو السرج عليها أو تزيينها أو نحو ذلك، مما يفعله بعض العامة، فالذي يستفيد منه الأموات الدعاء والاستغفار لهم والصدقة عنهم وبر ذويهم وأصدقائهم، كما قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: ((إنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ))([3]).
أما رش الماء على القبور فله وجهان: إن كان القصد منه تثبيت تراب القبر؛ حتى لا يتطاير وينكشف القبر فهذا مما لا بأس به -إن شاء الله-، أما إن كان الهدف منه نفع الميت فهذا من البدع المشار إليها.
فعلى هذا لا يجوز زرع الأزهار ولا غيرها على القبور، كما لا يجوز رش الماء على القبور، إلا إذا كان القصد منه تثبيت ترابها حتى لا يتطاير.
والله –تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه أبو داود، كتاب: السنة، باب: في لزوم السنة، برقم: (4607)، (7/16)، والترمذي، أبواب: العلم، باب: ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، برقم: (2676)، (4/408)، وابن ماجه، أبواب: السنة، باب: اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، برقم: (42)، (1/28)، وصححه الألباني في إرواء الغليل، برقم: (2455)، (8/107).
([2]) أخرجه مسلم، كتاب: الوصية، برقم: (1631)، (5/73).
([3]) أخرجه مسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، برقم: (2552)، (8/6).