الزينة تعني كل ما هو جميل في شكله، فالشجر بأوراقه وثماره جميل في شكله، وفي ذاته، وفي نظر من ينظر إليه. واللباس الجميل زينة لمن يلبسه وجميل للناظر إليه؛ وفي الزينة ما هو في حكم الواجب المؤكد كستر العورة باللباس في الصلاة وغيرها، فالمشركون حين كانوا يطوفون بالبيت الحرام عراة لم يكونوا على حال من الزينة، وكان فعلهم مستهجنًا ومستقبحًا، وقد أنزل الله قوله عز وجل: {يَابَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} [الأعراف: ٣١]، فترتب بهذا حكم ستر العورة، وألا يطوف بالبيت عريانًا.
ومن الزينة ما هو في حكم الندب والاستحباب: كلبس الملابس الجميلة في الصلاة، وحين الاختلاط مع الناس.
ومنها ما هو في حكم المكروه: كلبس اللباس المخالف للبس الناس.
ومنها ما هو في حكم المحرم: كلبس الذهب والحرير للرجال، والتشبه بالنساء في لباسهم وأحوالهم، لما ورد أن رسول الله ﷺ أخذ في يمينه قطعة من حرير، وفي شماله قطعة من ذهب، وقال: “هذان حرام على ذكور أمتي”([1]). ومن المحرم كذلك لباس الشهرة، لقول رسول الله ﷺ – فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: – “من لبس لباس شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة”([2]).
ومن المحرم كذلك الزينة بالتشبه في اللباس لما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله ﷺ عليَّ ثوبين معصفرين([3]) فقال: “إن هذا من لباس الكفار فلا تلبسهما”([4]) وفي مذاهب الأئمة أبي حنيفة ومالك وأحمد: أنه يكره للرجال لبس المعصفر والمزعفر([5]) للرجال، وعند بعض أئمة مذهب الإمام الشافعي يحرم لبسهما([6]). فالزينة في عمومها مما أباحه الله، لقوله عز وجل: {يَابَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١]. وقوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: ٣٢]. وفي هذا بيان بأنه عز ذكره أباح كل ما هو زينة في ذاته وغير محرم في أصله، وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى حلةً سيَرَاء تباع عند باب المسجد، فقال: يا رسول الله لو اشتريتها ليوم الجمعة والوفودَ إذا قدموا اليك؟ فقال عليه الصلاة والسلام “إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة”([7]) وهذه السير نوع من البرود محاطة بحرير، فإنكاره عليه الصلاة والسلام انصب على نوع اللباس (السيراء) لما فيها من الحرير، وليس على الزينة في ذاتها؛ لأن الله أنكر على من يحرموها على عباده، ولهذا كان القادر من السلف يلبس الثياب الجميلة والمراكب الجيدة والمطاعم الطيبة، وقد روي عن عمر رضي الله عنه قوله: “إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا”([8]). وقال أبو العالية: كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا، كما كان السلف يكرهون لبس المرقعات من الثياب، وفي هذا قال أبو الفرج ابن الجوزي: وأنا أكره لبس المفرط والمرقعات لأربعة أوجه: أحدها: أنه ليس من لبس السلف، وإنما كان الترقيع ضرورة. الثاني: أنه يتضمن ادعاء الفقر، وقد أحل للإنسان أن يظهر أثر نعم الله عليه. الثالث: إظهار التزهد، وقد أمر الله بستره. والرابع: أنه تشبه بهؤلاء المتزحزحين عن الشريعة، “ومن تشبه بقوم فهو منهم”([9]) وقد روى مكحول أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كان نفر من أصحاب رسول الله ﷺ ينتظرونه على الباب فخرج يريدهم، وفي الدار ركوة فيها ماء، فجعل ينظر في الماء، ويسوي لحيته وشعره فقلت: يا رسول الله وأنت تفعل هذا؟ قال: “نعم إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيئ من نفسه، فإن الله جميل، يحب الجمال”([10]). وعلى هذا فلا يحرم من الزينة إلا ما حرمه الله.
أما المال فهو – بلا شك – زينة؛ لأن الله وصفه بهذا الوصف في قوله عز ذكره: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً} [الكهف: ٤٦]، وفي هذا تربية وتعليم لأهل الجاهلية عن حقيقة المال، وكما أنه إنكار عليهم، وعلى كل من يرى الشرف والقوة في المال: كعيينة بن حصن الفزاري، وغيره من رؤساء قبائل العرب، ممن كانوا يفاخرون بالمال، فبين الله لهم أن المال مجرد زينة مؤقتة، وأن العبد يتزين به لقضاء حاجاته الدنيوية، أما الخير فهو في الباقيات الصالحات.
قلت: وزينة المال أخطر زينة واجهها ويواجهها الإنسان في أي زمان ومكان؛ ذلكم أن المال معيار حياته الدنيوية؛ فهو يحتاج له لطعامه وشرابه وكسائه، فمن أجله نشأت الحروب بينه، فمنه من يقتل بعضه بسببه، ومنه من يعتدي عليه بسببه، ومنه من يغمطه حقه، ومنه من يطغى ويفسد في الأرض بسببه، فعندئذٍ يتحول المال إلى فتنة، وهي في معناها اللغوي امتحان واختبار([11])، ليتميز الحق عن الباطل، والهدى عن الضلال، والإيمان عن الكفر، وقد وصف الله عز وجل المال بالفتنة في قوله عز وجل: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيم} [الأنفال: ٢٨]. فالفتنة في المال قد تكون في: جمعه، وفي إنفاقه، وفي الاستمتاع به.
أما الفتنة في جمعه: فتكون حين تشتد النزعة إلى تكثيره دون اعتبار لكيفية هذا التكثير، وفي هذا قال رسول الله ﷺ: “هلك المكثرون” فقال أبو ذر رضي الله عنه: من هم يا رسول الله فقال: “هم الأكثرون مالًا، إلا من قال به في عباد الله هكذا وهكذا”([12]). واشتداد النزعة إلى تكثير المال قد تؤدي إلى فواحش الربا، الذي حرمه الله على عباده في قوله عز ذكره: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]. وما فيه من محاربة الله ورسوله، كما قال جل ثناؤه: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٨-٢٧٩]. واشتداد النزعة في جمع المال لا تقتصر على الربا وفروعه، بل تمتد إلى كل فعل محرم كالرشا، والغصوب، والغش، والاحتيال، وأنواع الظلم في سبيل جمع المال، وما كانت المظالم تحدث بين الإنسان إلا بسبب هذا الجمع، وما يصاحبه من الظلم، وما نشهده في عالم اليوم من كثرة الديون، وعجز المدينين عن سداد ديونهم، وما يصحب هذا العجز من إفلاس الأفراد والشركات وكثرة الخصومات، إلا صورة من اشتداد النزعة في الجمع للمال دون اعتبار لسلامته وشرعيته، وليست آثار الجمع تنحصر في هذين الأمرين: الظاهر والمحسوس، بل تمتد آثاره إلى كل ما يهم الإنسان في طعامه، وشرابه، وصحته؛ فالأطعمة وما قد يكون فيها من الأخطار الصحية أثر لهذا الجمع والأدوية بما فيها من الآثار الصحية الحالة والمحتملة أثر لهذا الجمع. ومثل ذلك كل أثر مباشر وغير مباشر لهذا الجمع.
وأما الفتنة في إنفاق المال: فتتمثل في كثرة كنزه، وعدم الإنفاق منه في وجوه الخير. والكنز جمع المال بوضعه فوق بعض وعدم زكاته، وقد ذم الله الكانزين للذهب والفضة وأمر رسوله محمداً ﷺ أن يبشرهم بالعذاب في قوله عز ذكره: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيم * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُون} [التوبة: ٣٤-٣٥]. وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “والذي نفسي بيده ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها، إلا أتى بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه، تطؤه بأخفافها، وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها ردت عليه أولاها، حتى يقضى بين الناس”([13]). فالمراد بالكنازين أصحاب الأموال الذين يجمعونها، ويضعون بعضها فوق بعض، ولا يزكونها أو ينفقون منها على المحاويج، من أقاربهم أو من ضعفة المسلمين، بخلًا منهم وإنكارًا أو تهاونًا بأحكام الله، وما أوجبه من حقوق في هذه الأموال. وتكون الفتنة في المال حين تبخل به النفس، ويعجز صاحبها عن مقاومة هذا البخل، بحكم اشتداد نزعته لحب المال، وهو ما حدث لأحد الأنصار، قيل: إن اسمه (ثعلبة بن حاطب الأنصاري) قال لرسول الله ﷺ: ادع الله أن يرزقني مالًا، فقال عليه الصلاة والسلام: “ويحك يا ثعلبة! قليل يؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه” ثم عاد ثانية يسأل الدعاء له، فقال له رسول الله ﷺ: “أَما تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِثْلَ نبي اللَّه، فوالذي نَفسي بيدهِ، لَوْ شِئْتُ أنْ تَسِيلَ مَعِيَ الجِبالُ ذهبًا وفضةً لصارَتْ” فقال ثعلبة: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني لأعطين كل ذي حق حقه، فدعا له النبي ﷺ فاتخذ غنمًا فنمت كما ينمو الدود، فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل واديًا من أوديتها، حتى جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما، ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات إلا الجمعة، وهي تنمو حتى ترك الجمعة، وطفق يلقى الركبان يوم الجمعة ويسألهم عن الأخبار، فسأل النبي ﷺ عنه فأخبر بكثرة غنمه وبما صار إليه، فقال رسول الله ﷺ: “يا ويح ثعلبة ثلاث مرات”، فنزلت الآية: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة: ١٠٣]. ونزلت فرائض الصدقة، فبعث النبي ﷺ رجلين على الصدقة رجل من جهينة وآخر من بني سليم، وأمرهما أن يمرا بثعلبة، وبرجل آخر من بني سليم يأخذان منهما صدقاتهما، فخرج حتى أتيا ثعلبة، فقال: ما هذه إلا جزية، ما هذه إلا أخت الجزية([14]). فقيل نزل فيه قول الله تعالى: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِين * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُون * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُون} [التوبة: ٧٥-٧٧]. وسواء كان المراد في الآية ثعلبة بن حاطب أو غيره، ممن فُتِن بسبب ماله، ونزل فيهم حكم الله بوصفه بالنفاق، فكان المال بلا شك يتحول إلى فتنة لصاحبه، ويحصل له العذاب عندما يبخل به، ويتحول إلى مجرد جامع له.
وأما الفتنة في الاستمتاع بالمال: فمع أن الله عز وجل قد أباح لعباده هذا الاستمتاع في المطعم والمشرب والملبس والمركب، وكان بعض من الصحابة رضوان الله عليهم يستمتعون بأموالهم ويتزينون بما لديهم من زينة حسب حالهم – كما ذكر –، إلا أن هذا الاستمتاع مقيد بشرط هو: عدم الإسراف فيه. وهذا الإسراف يشمل كل ما يحتاجه الإنسان في طعامه وشرابه ومسكنه ومركبه، فالإسراف في الطعام والشراب محرم إذا كان يؤدي إلى الإضرار بالبدن، ولهذا جاء النهي المقتضي للتحريم في قول الله عز وجل: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين} [الأعراف: ٣١].
وفي الآية حكمان: الأول النهي عن الإسراف في المطعم والمشرب وما في حكمهما، وهنا النهي يقتضي التحريم إذا كان كما ذكر يؤدي إلى الضرر بالبدن، الحكم الثاني: عدم محبة الله للمسرفين، وهل هنالك فعل أسوء من فعل لا يحبه الله ولا يحب صاحبه، ومسألة الإسراف في الطعام والشراب وما في حكمهما، مما تداوله السلف والخلف من علماء وأطباء، فقد ذكر الإمام القرطبي: أنه كان لهارون الرشيد طبيب غير مسلم ماهر، فقال لعلي بن الحسين: ليس في كتابكم من علم الطب شيء. والعلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان، فقال له علي: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابنا، فقال له: ما هي؟ قال قوله عز وجل: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ} فقال الطبيب: ولا يؤثر عن رسولكم شيء من الطب، فقال علي: جمع رسول الله ﷺ الطب في ألفاظ يسيرة، قال: ما هي؟ قال: “المعدة بيت الداء، والحمية رأس كل دواء، واعط كل جسد ما عودته” فقال الطبيب: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينيوس طبًّا([15]). وفي حديث عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: (أكلت ثريدة بلحم سمين، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أتجشأ([16])، فقال: “اكفف عليك جشاءك أبا جحيفة، فإن أكثر الناس شبعًا في الدنيا أطولهم جوعًا يوم القيامة”([17]).
والفتنة في الإسراف في الاستمتاع بالمال لا تنحصر في المطعم والمشرب وما في حكمهما، بل تشمل التباهي بالمال والتفاخر بزينته، كما حدث لقارون فقد تباهى وتفاخر بما عنده من الأموال، وزعم أن ما أوتيه من مال كان على علم عنده، مما قصه الله في قوله عز وجل على لسان قومه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين} [القصص: ٧٧]، فكان جوابه لهم: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص: ٧٨] فكان عاقبته الخسف به في الأرض فلم يغن عنه ماله، كما قال الله عز ذكره: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [القصص: ٨١].
وحاصل الجواب على السؤال: أن الزينة مما أباحه الله لعباده، فلا يحرم منها إلا ما ورد الأمر بتحريمه. والمال زينة في الحياة الدنيا، وقد وصفه الله بذلك في قوله عز ذكره: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: ٤٦]. ولكن زينته أخطر زينة واجهها ويواجهها الإنسان في كل زمان ومكان، ومن أجله نشأت الحروب بينه، فمنه من قتل بعضه بسببه، ومنهم من اعتدى عليه بسببه، ومنهم من غمطه حقه، فعندئذٍ يتحول إلى فتنة، وقد وصفه الله بهذا الوصف.
والفتنة تكون في جمعه حين تشتد النزعة إلى تكثيره، دون الاعتبار لكيفية هذا التكثير، وما ينشأ عن ذلك من استحلال الربا، والرشا، والغصوب، والظلم. والفتنة تكون في انفاقه وتحويله إلى مجرد كنز، لا يخرج صاحبه زكاته، ولا ينفق منه في سبيل الخير. والفتنة تكون في الاستمتاع به، حين يسرف صاحبه في هذا الاستمتاع في مطعمه، ومشربه، وملبسه، ومركبه، كما تكون الفتنة في التباهي به والتفاخر فيه، كما فعل قارون وغيره من المفسدين بالمال في غابر الزمان وحاضره.
([1]) أخرجه الترمذي في كتاب الجهاد، باب ما جاء في الحرير والذهب، سنن الترمذي ج٤ ص١٨٩ رقم (١٧٢٠)، وأخرجه النسائي في كتاب الزينة، باب تحريم الذهب على الرجال برقم (٥١٤٨)، والإمام أحمد في مسنده برقم (١٩٥٣٣)، صححه الألباني في صفة الفتوى (٩٠).
([2]) أخرجه ابن ماجة في كتاب اللباس، باب من لبس شهرة من الثياب سنن ابن ماجة ج٢ ص١١٩٢، رقمه (٣٦٠٧)، واللفظ له، وأخرجه أبو داود برقم (٤٠٢٩)، والنسائي في السنن الكبرى ج٥ (ص٤٦٠)، والإمام أحمد في مسنده ج٢ ص٩٢، حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (٢٩٢١).
([3]) المصبوغ بالعصفر، وهو نبات معروف يصبغ لوناً أصفر، شرح الأبي والسنوسي على صحيح مسلم ج٧ ص٢٢٥.
([4]) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن لبس الرجل الثوب المعصفر، صحيح مسلم بشرح الأبي والسنوسي ج٧ ص٢٢٥، رقمه (٢٠٧٧).
([5]) حاشية ابن عابدين ج٥ ص٢٢٣، وحاشية الدسوقي ج١ ص٦٤، والمغني لابن قدامة ج١ ص٥٨٥-٥٩٠.
([6]) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ج٢ ص٣٩٦.
([7]) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة على الرجال والنساء وخاتم الذهب والحرير على الرجل وإباحته للنساء، صحيح مسلم بشرح الأُبي والسنوسي ج٧ ص٢١٠، رقمه (٢٠٦٨).
([8]) موطأ الإمام مالك، كتاب الجامع، باب ما جاء في لبس الثياب للجمال بها ص ٦٥٤ رقمه (١٦٤٦) صححه شعيب الأرنؤوط في تخريج سنن الدارقطني (١٠٩١).
([9]) أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب ما في لبس الشهرة، سنن أبي داود ج٤ ص٦ رقمه (٤٠٣١)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود: “حسن صحيح” رقمه (٣٤٠١)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج٧ ص١٩٦-١٩٧.
([10]) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، صحيح مسلم بشرح النووي ج١ ص ٧٣٥ رقمه (٢٥٩)، وينظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج٧ ص١٩٧.
([11]) المصباح المنير للفيومي ص٦٨.
([12]) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب قول النبي ﷺ «ما يسرني أن عندي مثل أحد ذهبًا» فتح الباري ج١١ ص٦٨، رقمه (٦٤٤٤)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير، واللفظ له ج٥ ص١٧٤.
([13]) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب زكاة البقر، فتح الباري ج٣ ص٣٧٩ رقمه (١٤٦٠).
([14]) أحكام القرآن لابن العربي ج٢ ص٤٥٧.
([15]) جاء في كشف الخفاء ج٢ ص٢١٤ قال ابن القيم في زاد المعاد ج٤ ص١٤: «فهذا الحديث إنما هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب، ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم».
([16]) التجشؤ يحدث بعد امتلاء المعدة بالطعام.
([17]) أخرجه ابن ماجة في كتاب الأطعمة، باب الاقتصاد في الأكل وكراهة الشبع، سنن ابن ماجة ج٢ من ١١١١-١١١٢ رقمه (٣٣٥٠) حسنه السيوطي في الجامع الصغير (٦٢٤٧).