ومفـاد هذه المسألة هو ما إذا أرسل شخص رسالة أو رسائل إلى آخر تتعلق بأمر ما، ثم أراد المرسل استرداد ما أرسل بحجة أنه مالكه، فهل يحق له ذلك؟.

الرسائل المتبادلة بين طرفين، ومن المالك الشرعي لها

وقبل الجواب عن هذا يمكن تصور وقائع هـذه المسألة في ثلاث حالات:

الحالة الأولى: أن تتضمن الرسالة تكليفا من أحدهما لآخر للقيام بعمل ما، كما لو ما كانت وكالة بالبيع أو الشراء أو الإجارة، أو إجراء تصرف ما، ثم يفسخ الموكل وكالته.

الحالة الثانية: أن تتضمن الرسالة التزامًا من أحدهما للآخر، كالإقرار له بحق أو دين، أو أي نوع من أنواع الالتزامات الأخرى.

الحالة الثالثة: أن تكون الرسالة مجرد تبادل أحاديث بين المرسل والمرسل إليه في إطار الصداقة، أو العلاقة بينهما.

وفي هذه الحالات الثلاث قد يرغب مرسل هذه الرسائل في استرداد رسائله تحت أي عذر من الأعذار، فالموكل يريد استرداد وكالته المكتوبة؛ لأنه فسخ وكالة الوكيل، ولا يريد منه أن يحتفظ بها، والملتزم يريد استرداد رسائله تحت أي عذر يتعلق بالتزامه، والصديق -أيضا- يريد استرداد ما كتب تحت أي حجة من الحجج

 

وهكذا، وقد لا يكون طلب هذه الرسائل من مرسليها أنفسهم، بل من ورثتهم أو وكلائهم، فهل في هذه الحالات ومثلها تعتبر الرسالة أو الرسائل ملكًا لمرسلها أم للمرسل إليه؟.

لقد عرف الفقهاء الملكية في الشريعة الإسلامية عدة تعريفات لا تختلف كثيرًا عن بعضها:

فقد عرفها بعض فقهاء المذهب الحنفي بأنها: «القدرة على التصرف في المحل شرعًا”([1]).

وفي المذهب المالكي: «المِلْكُ: حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة يقتضي تمكن من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك، والعوض عنه من حيث هو كذلك»([2]).

وفي المذهب الشافعي: “المِلْكُ: حكم يقدر في عين أو منفعة، يقتضي تمكن من ينسب إليه من انتفاعه، والعوض عنه من حيث هو كذلك”([3]).

وعرف الإمام ابن تيمية الملكية بأنها: «القدرة الشرعية على التصرف في الرقبة”([4]).

وينبني على هـذا ثلاثة أحكام:

الحكم الأول: أن السبب الموجب للملك والانتفاع منه لا بد أن يكون شرعيًّا، فكل ما كان في ذاته محرمًا كان تملكه محرمًا، كالربا والميتة والخمر ونحو ذلك.

الحكم الثاني: أن التملك يشمل كل شيء غير محرم، سواءٌ كان ذا قيمة مادية محسوسة، كالنقود والأراضي والمساكن ونحوها، أو كان أقل من ذلك، كورقة الرسالة ونحوها.

الحكم الثالث: زوال السبب الشرعي يزيل الملكية.

ففي الحالة الأولى حالة الوكالة: إذا كانت الرسالة عبارة عن وكالة فإنها تعتبر ملكا للمرسل إليه -الوكيل- ما دامت وكالته قائمة، والسبب الشرعي في ذلك تفويض الموكل له بالتصرف فيما نصت عليه الوكالة، فإذا فسخ الموكل وكالته انتفى هذا السبب، وأصبحت الوكالة ملكا له، يحق له استردادها من الوكيل.

وفي الحالة الثانية حالة الالتزام: إذا كانت الرسالة عبارة عن التزام بحق فإنها تعتبر ملكا للمرسل إليه، يحق له بموجبها مطالبة المرسل بما أقر به، والسبب الشرعي في ذلك الإقرار أن المرء مؤاخذ بإقراره، كما فعل رسول الله -ﷺ- مع ماعز بن مالك الأسلمي حين أقر بالزنا([5])، وكما فعل مع المرأة المتهمة بالزنا حين قال لأنيس: «اعْـُد يا أنيس! على امـرأة هـذا، فإن اعترفت فارجمها»([6]).

الحالة الثالثة حالة الرسائل بين الأصدقاء وما في حكمها، وتعتبر هذه ملكا للمرسل إليه؛ للأسباب الشرعية التالية:

أولًا: أن المرسل قد أرسل الرسالة بطـوعه واختياره، فأصبحت بذلك من باب التمليك للمرسل إليه.

ثانيًا: اختصاص المرسل إليه بها؛ لكونها في حوزته.

ثالثًا: كون هذا الاختصاص حاجـزا لغيره.

رابعًا: قدرته الشرعية على التصرف فيها، كما يقول الإمام ابن تيمية في تعريفه للملكية.

ولكن هذه الملكية مقيدة بالشروط الآتية:

أولًا: ألا يكون المرسل قد اشترط إعادتهـا إليه، كما لو كان أرسلها إليه لمجرد العلم بمضمونها، ثم إعادتها.

ثانيًا: عدم جواز نشرها إذا كان فيها ما يمس المرسل، ويسيء إليه، ما لم يكن هذا ظالمًا للمرسل إليه؛ لدلالة قول الله -تعالى-: {لَّا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} [النساء: 1٤8].

ثالثًا: ألا يكون في مضمون الرسالة أمر محرم، ففي هذه الحال لا يحق لأي من المرسل أو المرسل إليه الادعاء بملكيتها.

والله أعلم.

([1]) نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار، ج6 ص۲۱۱.

([2]) الفروق، ج۳ ص۲۰۹.

(([3] الأشباه والنظائر للسيوطي، ص۱۹۱.

([4])الفتاوی – ج۳ ص ٣٤٧- ٣٤٨.

([5])أخرجه مسلم في كتاب الحدود، باب حد الزنا، صحيح مسلم بشرح النووي ج11ص199-200.

([6])أخرجه مسلم في كتاب الحدود، باب حد الزنا، صحيح مسلم بشرح النووي ج11 ص۲۰۷.