ومفاد هذه المسألة: سؤال يقول فيه صاحبه: إنه اشترى آلة ميكانيكية من أحد وكلاء البيع، وعند استعماله لها انفلت أحد أجزائها، فسبب له ضررًا جسمانيًّا. ويقول: لقد تبين من فحصها وجود خلل في صنعها، ويسأل عما إذا كان له الحق في ردها إلى البائع، وما إذا كان يحق له التعويض عما سببت له من ضرر، وإذا كان له هذا الحق فمن المسؤول؟، أهي الشركة الصانعة أم وكيلها المعتمد؟.

حكم ما إذا كان في الآلة المبيعة عيب في الصنعة نتج عنه ضرر للمشتري

والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: مدى جواز رد المبيع المعيب: فالأصل إباحة كل بيع إذا تراضى عليه المتبايعان بطوعهما وإرادتهما، ولم يعقداه على محرم، أو بوسيلة محرمة، فمن عقد البيع على هذه الصفة لزمه ما عقده، إلا إذا كان قد اشترط لنفسه الخيار مدة معينة، أو وجد في المبيع عيبًا لم يكن بعلمه أثناء عقده.

والأصل أنه لا يحل للبائع أن يبيع شيئًا علم فيه عيبًا حتى يبينه للمشتري؛ لقول الله -تعالى-: {إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29]، ولقول النبي -ﷺ-: (المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعًا فيه عيب إلا بينه له)([1])، وقال: (البَيِّعَانِ بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبَيَّنَا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محق بركة بيعهما)([2])، وقوله: (لا تُصَرُّوا الإبلَ والغنمَ، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها: إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعًا من تمر)([3])، ويتضح من هذا عدم جواز كتمان العيب؛ لما فيه من غشٍّ، وأخذٍ للمال بغير حق.

وعلى هذا فإنه يجوز لمشتري الآلة في السؤال ردها بالعيب وفق الشروط الآتية:

أولها: أن يكون المشتري لا يعلم واقع الآلة المشتراة، وما فيها من خلل باطن أو ظاهر.

والثاني: أن تكون الآلة على غير الصفة التي أرادها المشتري، وهي سلامتها من الخلل والعيوب.

والثالث: أن يكون الخلل مما تعاب به الآلة قياسًا على الغرض المراد منها أو على مثيلاتها من الآلات.

والرابع: أن يكون الرد حال معرفة الخلل، وكما يجوز له رد الآلة لعيبها يجوز له إمساكها مع أخذ الفرق “الأرش” بين قيمتها صالحةً وقيمتها غيرَ صالحة، ولا فرق فيما إذا كان البائع حسن النية أو سيئها، وإذا اعترض البائع، ونفى وجود العيب فالقول قول المشتري؛ لأن الأصل براءة ذمته من الثمن، فلا يلزمه ما لم يقر به، أو يثبت ببينة، أو ما يقوم مقامها([4])، والواقع أن إثبات الخلل لا يسبب إشكالًا في الوقت الحاضر، حيث إن من السهل معرفة عيوب الآلات بالفحص الآلي.

الوجه الثاني: مدى أحقية المتضرر من الآلة في التعويض: الأصل في أن إيقاع الضرر بالغير حرامٌ، سواءٌ كان ذلك في صورة مباشرة كالتعدي بالقتل أو الضرب، أم كان في صورة غير مباشرة كما لو وقع القتل أو الضرب بسبب يرجع إليه، كإحداثه عوائق في الطريق العام، فتسبب للمارة أو لأحدهم الضرر، ومن ذلك: ما لو أخرج زوائد بيته في الطريق، أو وضع أحجارًا، أو أخشابًا، أو متاعًا، أو آلاتٍ، أو وضع ماءً أو زيتًا، أو أيَّ سائلٍ، أو نحو ذلك، فتعثر أو زلق به إنسان، فمات أو جرح، فهو في كل ذلك ضامن([5]).

وينبني على هذا أن مشتري الآلة في السؤال إذا تعرض لضرر جسماني، كما لو بترت الآلة أصابعه أو أحدها، أو سببت له جروحًا، حق له التعويض عما أصابه من ضرر وفقًا لما يحكم به قاضي النظر على أساس طبيعة الحادثة وملابساتها، كما يحق له التعويض فيما لو كان الضرر الذي أصابه نفسيًّا، كما لو سبب له انفلاتُ الآلة أو أحد أجزائها صدمة نفسية، أو خوفًا، أو غمًّا، أو نحو ذلك([6]).

الوجه الثالث: حق المتضرر من الآلة في مقاضاة الوكيل عن الضرر الذي أصابه بسبب خلل الآلة: إن لبائع الآلة في السؤال إحدى صفتين: إما أنه يملك الآلة لنفسه حين اشتراها من صانعها، أو من وكيل، أو وكلاء عنه، فهي إذًا مِلْكُهُ، ويحق للمتضرر منها مقاضاته باعتباره البائع الأصيل، ولهذا البائع حق الرجوع إذا أراد على الشركة الصانعة، أو على من باعه.

وإما أن يكون بائع الآلة وكيلًا عن الشركة الصانعة كما هو الحال في وكلاء الآلات الذين يبيعونها مقابل نسبة يتقاضونها، فالبائع يعدُّ إذًا وكيلًا عن الشركة بموجب عقد يخوله النيابة عنها في البيع والتصرف، ما لم يكن مقيداً، وبموجب هذا العقد يجب عليه التقاضي نيابة عنها، وقبول ما يترتب على بيعه لصانعها من التزامات، ومن ذلك: قبول رد المبيع المعيب، واحتسابه عليها على أساس أن ما لها غنمه فعليها غرمه، وقد ورد أن عليًّا وَكَّلَ عبد الله بن جعفر، فقال: “ما قضي عليه فعليَّ، وما قضي له فلي”([7]).

وخلاصة المسألة: أنه يحق لمشتري الآلة ردُّها بالعيب، أو إمساكها مع أخذ الفرق بين قيمتها سليمةً وقيمتها غيرَ سليمة، كما يحق له التعويض عن الضرر الجسماني أو النفسي الذي أصابه بسبب انفلات أحد أجزائها، والرجوع في ذلك على بائع الآلة، سواءٌ كان مالكًا لها، أم وكيلًا عن الشركة الصانعة لها.

والله أعلم.

([1]) أخرجه ابن ماجة في كتاب التجارات، باب من باع عيبًا فليبينه، برقم (2246)، سنن ابن ماجة، ج2 ص755، صححه الألباني في صحيح ابن ماجه، (١٨٣٧).

([2]) أخرجه مسلم في كتاب البيوع، باب من ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، صحيح مسلم بشرح النووي، ج11 ص176.

([3]) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب النهي للبائع ألا يحفِّل الإبل والبقر والغنم وكل مُحفّلة، برقم (2150)، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج4 ص422-423.

([4])   المغني والشرح الكبير، ج4 ص85.

([5]) انظر: بدائع الصنائع، ج7 ص271-279.

([6]) يرى محمد بن الحسن وأبو يوسف صاحبا أبي حنيفة أن من حفر بئرًا في الطريق، فمات فيها إنسان غَمًّا، فعلى الحافر الضمان، انظر: بدائع الصنائع، ج7 ص271-279.

([7]) موسوعة فقه علي بن أبي طالب، ص642.