ومفاد هذه المسألة سؤالان من الأخ م‮ .. ‬والأخ ع‮ .. ‬عن حكم التعامل مع الفِرق أو النِّحل التي‮ ‬اتخذت لها أسماء وصفات معينة،‮ ‬وصار لها أتباع ومناصرون ودعاة‮. ‬وما أشارا إليه أيضًا‮ ‬في‮ ‬سياق سؤاليهما عن البهائية والقاديانية ونحوهما.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

حكم التعامل مع من‮ ‬ينكر الأصول الشرعية‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

وقبل الجواب على هذا تنبغي الإشارة إلى الأسباب والدوافع التي تؤدي إلى خروج بعض النحل وانحرافها، ومحاولة أصحابها تفسير العقائد التي ينتسبون إليها ظاهرًا بما يخدم غاياتهم المستترة، في نفس الوقت يحاولون فيه انتسابهم إلى هذه العقائد على الأقل لمرحلة زمنية محدودة، يستحوذون فيها على عدد كبير من الأتباع بعد إقناعهم بأنهم يؤمنون بمثل ما يؤمنون به.

ومن الجدير بالقول: إن ظواهر هذه الفرق ليست وليدة هذا العصر وحده، بل لقد شهدت العصور الإسلامية عددًا من النِّحَل المنحرفة، ولعل أسباب وجودها في الماضي والحاضر ترجع إلى سببين:

السبب الأول: انحراف سلوك بعض الأشخاص وتعرضهم لأمراض عقلية، وتمتعهم في الوقت نفسه ببعض الصفات

 

والمواهب الشخصية كالفصاحة والخطابة التي تلفت الأنظار إليهم.

السبب الثاني: وجود عدد من العوامل -خاصة العوامل الدولية- التي تهدف إلى زعزعة الأسس في عقيدة أو حضارة ما؛ لإفسادها من داخلها ابتغاء الحد من انتشارها، وإضعاف دورها من خلال منحرف أو منحرفين من المنتسبين إليها، واستغلال طاقاتهم ومفاهيمهم بما يخدم الغرض الذي تسعى إليه.

وكما شهد التاريخ الإسلامي عددًا من هذه النِّحل -كما ذكر- فإن التاريخ الإسلامي المعاصر يشهد عددًا من النِّحل المخالفة والمنكرة للأصول الشرعية، ومن ذلك على سبيل المثال طعنها في القرآن، أو تأويله بما يتفق مع مبادئها وغاياتها، أو الكفر بآيات الله، أو التشكيك فيها. وقد وصف الله أصحاب هذا السلوك بقوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون} [البقرة: 58]، وقوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ} [آل عمران: ٧] ، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 65].

ومن ذلك إنكار أصحاب هذه النِّحل نبوة رسول الله r، أو الاعتقاد بأنه ليس خاتم النبيين، أو الطعن في رسالته، أو سنته أو نحو ذلك من الأقوال، والأفعال المشابهة، وقد وصف الله أصحاب هذه النِّحل بقوله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُم * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُم * ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُم} [محمد: ١–٣]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُم} [محمد: 23].

ومن ذلك إنكار هذه النحل للأحكام الشرعية كلًا أو بعضًا أو القول بالاحتكام إلى غير شرع الله، أو الدعوة إلى ذلك، وقد وصف الله أصحاب هذه النحل بقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُون} [المائدة: ٤٤]، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وخلاصة المسألة: أن كل فرقة أو نحلة، أو فئة أنكرت، أو خالفت أصلًا من الأصول الشرعية تعد خارجة عن الإسلام، ويكون التعامل معها على هذا الأساس، ولا عبرة للقول بأن هذه النِّحلة أو تلك الفرقة تنتسب للإسلام، وتتسمى باسمه. ولا عبرة أيضًا لما قد يصدر عنها من تصرفات تبدو في ظاهرها من الأخلاق أو القيم الإسلامية.