والجواب: أنه يبدو من ظاهر السؤال أن الشخص في المسألة يستلب الكهرباء بطريقة ما خارج مراقبة العداد الآلي المخصص لرصد كمية الاستهلاك، وتقدير المبلغ المقابل لهذه الكمية حسب التعريفة المقررة، فهو هنا أقرب ما يكون إلى (المختلس).
والاختلاس في اللغة: اختطاف الشيء بسرعة على غفلة([1]).
وفي الاصطلاح: أخذ الشيء علانية([2]).
فالمختلس هنا يستلب الكهرباء على غفلة من الشركة صاحبة العلاقة، وهو يستلبها علانية وفق حيلة تمكنه من الانتفاع منها دون مراقبة العداد الآلي المخصص لأغراضها، فإذا كان بهذه الصفة لم يعد سارقا بالمعنى الذي يوجب عليه حد القطع وفق أحكام السرقة، فإنه يعد سارقاً من حيث المفهوم العام للسرقة؛ لكونه تعدى على مال غيره دون حق، وحكمه في هذه الحال من وجهين: حكم ديانة، وحكم قضاء.
أما الديانة: فالأمر جلي وواضح في كتاب الله، وفي سنة رسوله محمد -ﷺ-، وفي إجماع الأمة وسيرة السلف الصالح.
ففي الكتاب: قول الله -تعالى-: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء:2]، فهذا الحكم وإن كان خـاصًّا بأموال اليتامى، إلا أنه يشمل كل من يأكل مال غيره، فيضمه إليه، والعبرة هنا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وقوله -عز وجل-: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون} [البقرة:188].
أما في السنة فقول رسول الله -ﷺ- في خطبته الشهيرة في حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يـومـكـم هـذا، في شـهـر كـم هـذا، في بـلـد كـم هـذا»([3])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا يدخل الجنة جـسـد غـذي بالحرام»([4])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «من اشترى ثوباً بعشرة دراهم، وفي ثمنه درهم من حرام لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه»([5]).
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في سلفها وخلفها على عصمة المال، وتحريم التعدي عليه على جهة الظلم، كالخيانة، والاختلاس، والغصب، والانتهاب، أو بأي صفة غير مشروعة، وهو لذلك يعد أحد الضرورات الشرعية الخمس التي تجب المحافظة عليها، وهي: النفس، والمال، والعرض، والعقل، والنسل.
وقد ضرب السلف الصالح أفضل الأمـثلـة في تجنب المال الحرام، وعصمة أنفسهم منه؛ لما سمعوه ووَعَوْهُ من كلام ربهم، وسنة نبيهم محمد -ﷺ-، فقد روى زيد بن أرقم أنه كان لأبي بكر -رضي الله عنه- غلام يخرج له الخراج بعدما كاتبه على مال، وكان يجيئه كل يوم بخراجه، فيسأله: من أين أتى به؟، فإن رضيه أكله، وإلا تركه، قال: فجاءه ذات ليلة بطعام، وكان أبو بكر صائماً، فأكل منه لقمـة، ونسي أن يسأله، ثم قال له: من أين جئت بهذا؟، فقال: كنت تكهنت لأناس في الجاهلية، وما كنت أحسن الكهانة، إلا أني خدعتهم. فقال أبو بكر: أُفٍّ لك، كدت تهلكني! ثم أدخل يده في فيه، فجعل يتقيأ، ولا يخرج، فقيل له: إنها لا تخرج إلا بالماء، فدعا بماء، فجعل يشرب، ويتقيأ حتى قاء كل شيء في بطنه، فقيل له: يرحمك الله، كل هذا من أجل هذه اللقمـة؟، فقال -رضي الله عنه-: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، إني سمعت رسول الله -ﷺ- يقول: «كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به»، فخشیت أن ينبت بذلك في جسدي من هذه اللقمة([6]).
وكان حفص بن عبد الرحمن شريكًا لأبي حنيفة، وكان يجهز عليه، فبعث إليه في رفقة بمتاع، وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيباً، فإذا بعته فبَيِّنْ، فباع حفص المتاع، ونسي أن يبين، ولم يعلم ممن باعه، فلما علم أبو حنيفة تصدق بثمن المتاع كله([7]).
قلت: هذا هو حكم المال الحرام من حيث الديانة، وما فيه من الإثم العظيم، وما يدخر لصاحبه من العقاب الأليم، فوجب على المسلم وجوبَ عينٍ أن يتجنب حقـوق الناس، وينقي مطعمه، ومشربه، وملبسه؛ حتى يتقي عذاب الله الذي إما أن يعجل له في الدنيا، أو يؤجل له في الآخرة.
أمـا حكم الاختلاس من حيث القضـاء فإن للجهة المختلس منها الحقَّ في مقاضاة المختلس، واسترداد ما يترتب لها عليه من حقوق وفق الطرق القضائية.
أمـا القول بأن الشركة لا تعوض عن الأعطال والأضرار فهذا ليس حجة مشروعة، وعلى فرض حدوث أضرار من قبل الشركة، فان ذلك لا يبرر أن ينتزع المتضرر حقه بيده؛ لأن للمطالبة بالتعويض طرقاً وإجراءاتٍ قضائيةً معروفةً، يجب على من يدعي الضرر اتباعها.
وخلاصة المسألة: أن السالب للكهرباء دون مراقبة العداد الآلي يعد مختلساً في تعديه على حق الشركة، وذلك بانتفاعه من الكهرباء دون حق؛ وهو بهذا يعد آثماً، ويدخل في عداد الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، وللشركة الحق في مقاضاته لاسترداد ما يترتب لها مـن حقوق، أما القول بأن الـشركة لا تعوض عن الأعطال أو الأضرار التي تحدث للمشترك فليس بحجة مشروعة؛ لأن للمطالبة بالتعويض عن الأضرار طرقاً وإجراءاتٍ قضائيةً معروفةً، يحق لمن يدعي الضرر اتباعها.
والله -تعالى- أعلم.
([1]) المصباح المنير للفيومي، ج۱ ص۱۷۷.
([2]) حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين، ج4 ص۹4.
([3]) أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب قول النبي ﷺ: «رب مبلغ أوعى من سامع»، فتح الباري ج1 ص۱۹۰، برقم (67).
([4]) أورده الذهبي في كتاب الكبائر، ص١٢٠، وأخرجه الإمام أحمد بلفظ: «لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به»، مسند الإمام أحمد، ج۳ ص۳۲۱، قال الألباني في السلسلة الصحيحة، (٢٦٠٩): صحيح بشواهده.
([5]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج۲ ص ۹۸، والذهبي في الكبائر، ص۱۱۹.
([6]) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية بدون الزيادة في آخره من شرب الماء.. إلخ، برقم (٣٨٤٢)، وأورده الذهبي في كتاب الكبائر، ص۱۲۰.