ومفاد المسألة كتاب من الأخ/ ب… ل… من الجزائر يسأل فيه عما إذا كان يشرع للنساء أذان وإقامة وإمامة سواء كن في الحضر وحدهن أو في البرية منفردات أو جماعة. وكتاب آخر من الأخ عبدالحميد… من الجزائر يسأل فيه عما إذا كان يجوز للمرأة القراءة بصوت مرتفع بين النساء؟

مدى مشروعية الأذان والإقامة والإمامة للنساء في صلاتهن

مما لا مراء فيه أن الإسلام اهتم بالحفاظ على ستر المرأة وعفافها وطهرها تعزيزًا وإكرامًا لها، ويأتي في مقدمة هذا الاهتمام اعتزال الرجال ما لم تفض إلى ذلك ضرورة ملجئة كالتطبيب من المرض ونحوه. ومهما حاول الذين يريدون مجاراة بعض الحضارات، ويرون وضع المرأة المسلمة في صورة غير صورتها التي رسمها وبيَّنَها دين الإسلام، فإن هذه المحاولة ستظل تصطدم بقواعد هذا الدين. ويخطئ أولئك أشد الخطأ في إخراجها عن هذه القواعد؛ لأن علم الله وحكمته وما أراده لها فوق علمهم وتصورهم.

لهذا ؛ ومن باب العفاف والستر للمرأة اتفق جمهور العلماء على عدم جواز إمامتها للرجال استدلالًا بقول رسول الله ﷺ: (لا تَؤُمَّنَ امرأة رجلًا)([1]). وبقوله ﷺ: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)([2]). وبقوله -عليه الصلاة والسلام-: (أخروهن حيث أخرهن الله)([3]). وفي هذا دلالة على عدم تقدمهن للصلاة بالرجال؛ لكونهن في الأصل يتأخرن في الصلاة عن صفوف الرجال. وقد خالف أبو ثور والطبري رأي الجمهور، فقالا بإمامة المرأة على الإطلاق([4]).

ومع اتفاق الأئمة على عدم جواز إمامة المرأة للرجال، اختلفوا في إمامتها وأذانها وإقامتها للنساء.

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: يكره للمرأة أن تصلي بالنساء جماعة؛ لأن جماعتهن منسوخة لما في اجتماعهن من الفتنة فإن صلين جماعة فليس عليهن أذان ولا إقامة؛ استدلالًا بحديث رابطة أنها قالت: كنا جماعة من النساء عند عائشة -رضي الله عنها- فأمتنا وقامت وسطنا وصلت بغير أذان ولا إقامة؛ ولأن المؤذن يشهر نفسه بالصعود إلى أعلى المواضع ويرفع صوته بالأذان والمرأة ممنوعة؛ ولأنها إن رفعت صوتها فقد ارتكبت معصية، وإن خفضته فقد تركت سنة الجهر([5]).

وفي مذهب الإمام مالك: لا تصح إمامة المرأة للرجال ولا للنساء، وروى ابن أيمن من علماء المذهب جواز إمامتها للنساء، ومن باب أولى يحرم أذانها وإقامتها؛ لأن صوتها عورة اعتبر بعض علماء المذهب ومنع ذلك للكراهية([6]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: يجوز إمامتها للنساء في الصلاة المكتوبة وغيرها؛ واستدل الإمام الشافعي بما روى الليث عن عطاء عن عائشة -رضي الله عنها- أنها صلت بنسوة العصر فقامت في وسطهن، وأن علي بن الحسين كان يأمر جارية له تقوم بأهله في شهر رمضان، ويقول الإمام: (وآمرها أن تقوم في وسط الصف، وإن كان معها نساء كثيرات أمرن أن يقوم الصف الثاني خلف صفها، وكذلك الصفوف وتصفهن صفوف الرجال إذا كثرن لا يخالفن الرجال في شيء من صفوفهن؛ إلا أن تقوم المرأة وسطًا وتخفض صوتها بالتكبير والذكر، الذي يجهر به في الصلاة من القرآن وغيره، فإن قامت المرأة أمام النساء فصلاتها وصلاة من خلفها مجزئة عنهن)([7]). أما أذانها وإقامتها فقد ذكر المزني أن الإمام الشافعي قال: إنه يحب للمرأة أن تقيم ولا تؤذن فإن لم تفعل أجزأها، والسبب في استحباب الإقامة لها مع كراهة الأذان حديث أسماء أن النبي ﷺ قال: (ليس على النساء أذان ولا إقامة ولا جمعة ولا اغتسال للجمعة ولا تقدمهن امرأة لكن تقوم وسطهن)([8]).

وفي مذهب الإمام أحمد: إذا صلت المرأة بنساء قامت وسطهن، ولو صلت أمامهن وهن خلفها، فالصحيح من المذهب صحة الصلاة، قال في الفروع: والأشهر يصح تقديمها وقال الزركشي: هذا أشهر الروايتين، وتجهر في صلاة الجهر، قياسًا على الرجل فإن كان ثمة رجال لم تجهر. أما أذانها وإقامتها فليست ممن يشرع له الأذان لما فيه من رفع الصوت، وليست من أهله([9]).

وفي المذهب الظاهري: تجوز صلاة المرأة بالنساء؛ لأنها لا تقطع صلاة أختها، إذا صلت أمامها أو إلى جنبها، ولم يأت بالمنع من ذلك قرآن ولا سنة، وهو فعل خير أمر الله به في قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}([10])، وهو تعاون أمر الله به في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}([11])، وإن أذن وأقمن فهو حسن([12]).

قلت: وينبني على ما سبق، جواز إمامة المرأة للنساء إذا كن مجتمعات؛ فالإسلام يحث على الجماعة ولا فرق بين الرجال والنساء إلا في كونهن يعتزلن الرجال، وتبدو أهمية إمامة المرأة للنساء أكثر إلحاحًا في الزمن المعاصر، فالنساء يجتمعن في المدارس غير المختلطة، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية، التي يتم فيها تدريس المرأة بشكل منفصل عن الرجل. والنساء يجتمعن في مشاعر الحج منفصلات عن الرجال، وهن أيضًا قد يجتمعن في بيوتهن لصلاة التراويح، أو القيام في شهر رمضان، وهن قد يجتمعن في أماكن أخرى كحال السجينات، ففي كل هذه الأحوال تكون صلاتهن جماعة مستحبة، لما فيها من ذكر الله تعالى، واستشعار عظمته عندما تؤمهن إحداهن، وتجهر بينهن بقراءة كتاب الله، وفي حديث أم ورقة بنت نوفل دليل واضح، فقد روي أن النبي ﷺ لما غزا بدرًا قالت له: يا رسول الله إئذن لي في الغزو معك، أمرض مرضاكم لعل الله تعالى أن يرزقني شهادة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (قري في بيتك فإن الله عزوجل يرزقك الشهادة) فكانت تسمى الشهيدة، وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي ﷺ أن تتخذ في دارها مؤذنًا، فأذن لها، وقيل أنها كانت تجمع نساء الحي فيصلين معها، ولما قتلت في الليل وانقطع صوتها، قال عمر -رضي الله عنه- بعدما أصبح: والله ما سمعت قراءة خالتي أم ورقة البارحة، فدخل الدار فرآها ملفوفة بقطيفة في جانب البيت([13]).

ومع ما ذكر من أقوال عن توسطها في الصف بين النساء حين تؤمهن إلا أنه ليس في تقدمها أمامهن ما يمنع منه خاصة، وأنه ليس ثمة قول جازم بالمنع، وفي هذا يقول الإمام ابن حزم: (ما نعلم لمنعها من التقدم حجة أصلًا وحكمها عندنا التقدم أمام النساء)([14]).

أما بالنسبة لأذانها وإقامتها فالعلة عند من قال بالمنع هي الخشية من رفع صوتها لما فيه من مظنة الفتنة؛ فإذا كان النساء مجتمعات في مكان ليس فيه رجال، وأذنت إحداهن أو أقامت لتسمع صاحباتها وتناديهن للصلاة، فقد انتفت مظنة الفتنة، فيكون الأذان والإقامة مما يستحسن ويستحب.

أما سؤال الأخ السائل عما إذا كان يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن بصوت مرتفع، فالأصل أنه لا يجوز لها أن تقرأ بين الرجال سواء كان بصوت مرتفع أو منخفض. ولها أن تقرأ في بيتها أو بين محارمها، أو بين النساء بصوت مرتفع على ألا يتأذى من صوتها أحد كالنائم، والمريض، ومن يقرأ مثلها أو نحو ذلك.

وخلاصة المسألة: أنه يجوز إمامة المرأة للنساء إذا كن مجتمعات ولها أن تتوسط بينهن في الصف أو في مقدمتهن، ويجوز لها أن تؤذن وتقيم، إذا كانت بين أخواتها من النساء على أن يكون ذلك بصوت منخفض، وبمنأى عن الرجال، كما يجوز لها أن تقرأ القرآن بصوت مرتفع في بيتها، أو بين محارمها، أو بين أخواتها من النساء. والله أعلم.

([1]) جزء من حديث طويل أخرجه ابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب فرض الجمعة برقم (1081)، وقال: في الزوائد إسناده ضعيف، لضعف علي بن زيد بن جدعان وعبد الله بن محمد العدوي. سنن ابن ماجة، ج1 ص343، وقال البوصيري: هذا إسناد ضعيف، مصباح الزجاجة، ج1 ص358.

([2]) البخاري بشرح فتح الباري ج8 ص126، برقم 24425. والترمذي في الفتن برقم (2262) والنسائي، ج8 ص227، وأحمد، ج5 ص43، والحاكم، ج3 ص118-119.

([3]) (2) أخرجه العجلوني في كشف الخفاء ومزيل الإلباس وقال: والصحيح أنه موقوف على ابن مسعود، وقال في اللآلي رأيت من عزاه للصحيحين، وهو غلط…( كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للعجلوني، ج1 ص69، وقال ابن الهمام في شرح الهداية: “لا يثبت رفعه فضلاً عن شهرته” وأخرجه الطبراني من قول ابن مسعود رضي الله عنه في حديث صدره: كان الرجل والمرأة في بني إسرائيل يصلون جميعاً.. فكان ابن مسعود يقول: (أخروهنّ من حيث أخرهنّ الله تعالى..) راجع المصدر السابق، ج1 ص69، وأخرجه الزيلعي في نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، ج2 ص36، وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً عليه، مصنف عبد الرزاق، ج3 ص149، وصححه ابن حجر في فتح الباري، ج1 ص400.

([4]) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد، ج1 ص145.

([5]) المبسوط للسرخسي، ج1 ص133، وانظر شرح فتح القدير لابن الهمام على الهداية للمرغيناني، ج1 ص354، وكتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني، ج1 ص150-157.

([6]) عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، ج1 ص193، وانظر شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل للشيخ عليش، ج1 ص201.

([7]) الأم للإمام الشافعي، ج1 ص164.

([8]) الحاوي الكبير للماوردي، ج2 ص65، وانظر المجموع شرح المهذب للإمام النووي مع فتح العزيز شرح الوجيز والتلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، ج3 ص100، وانظر حديث اسماء في سنن البيهقي، أخرجه البيهقي في باب: ليس على النساء أذان ولا إقامة، من كتاب الصلاة، السنن الكبرى للبيهقي، ج1 ص408، وقال: Xهكذا رواه الحكم بن عبد الله الأيلي وهو ضعيف، ورويناه عن أنس بن مالك موقوفاً ومرفوعاً، ورفعه ضعيف، وهو قول الحسن، وابن المسيب، وابن سيرين، والنخعي”. وقد ذكر الإمام أنه إذا أراد جماعة النسوة صلاة ففيها ثلاثة أقوال: فالمشهور المنصوص في الجديد والقديم وبه قطع الجمهور يستحب لهن الإقامة دون الأذان والثاني لا يستحبان والثالث يستحبان فعلى الأولى إذا أذنت ولم ترفع الصوت لم يكره وكان ذكر الله تعالى وإذا قلنا تؤذن فلا ترفع بصوت فوق ما تسمع صواحبها بصوتها فإن رفعت فوق ذلك حرم؛ لأنه يفتن بصوتها.

([9]) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي، ج2 ص462-464، وانظر المغني لابن قدامة، ج2 ص68، والكافي لابن قدامة، ج1 ص416، والمغني مع الشرح الكبير مع الكافي ج3 ص48-49، والفروع لابن مفلح، ج2 ص34-35.

([10]) سورة الحج من الآية 77.

([11]) سورة المائدة من الآية 2.

([12]) المحلى بالآثار للإمام ابن حزم، ج3 ص135-136، و ج2 ص167-178.

([13]) سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب إمامة النساء، ج1 ص161، حديث رقم (591)، وانظر بذل المجهود في حل أبي داود، ج3 ص205-209.

([14]) المحلى بالآثار للإمام ابن حزم، ج3 ص137.