وقبل الجواب عن هذا السؤال يجدر إيراد نبذة قصيرة عن عقد الزواج في الشريعة الإسلامية، فهذا العقد سهل ويسير في صيغته على خلاف ما عليه عقود الزواج في الأديان الأخرى من كثرة الشكليات والتعقيد.
ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: ينعقد الزواج بالإيجاب من أحد الطرفين والقبول من الآخر، فيقول الولي: ‹‹زوجت بنتي. . ›› ويقول الآخر: ‹‹تزوجت›› ويشترط في الإيجاب والقبول اتحاد المجلس، ولا يخالف أحدهما الآخر، كما ينعقد الزواج بلفظ النكاح والتزويج والهبة والتمليك والصدقة([1]).
وفي مذهب الإمام مالك: ينعقد الزواج بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد في حال الحياة كالتزويج والإنكاح والهبة، وما في معناها والصدقة، فيقول الولي: ‹‹قد زوجت›› أو ‹‹أنكحت››، ويقول الزوج: ‹‹قبلت››([2]).
وفي مذهب الإمام الشافعي: لا يجوز عقد الزواج إلا بلفظ التزويج، أو الإنكاح؛ أما ما سواهما من الألفاظ الأخرى كالتمليك والهبة فلا يصح؛ لأن ذلك لا يأتي على معنى النكاح، ولأن الشهادة شرط فيه، فإذا عقد بلفظ الهبة لم تقع الشهادة على النكاح، وصيغته أن يقول العاقد: ‹‹زوجتك›› أو ‹‹أنكحتك موليتي فلانة›› ويقول الزوج أو وكيله: ‹‹تزوجتها›› أو ‹‹نكحتها››([3]).
وفي مذهب الإمام أحمد: إذا قال الخاطب لولي البنت: ‹‹أزوجت›› فقال ‹‹نعم›› فقد انعقد الزواج إذا حضره شاهدان، ولو قال الولي: ‹‹زوجتك ابنتي›› فقال: ‹‹قبلت›› انعقد النكاح، وينعقد النكاح بلفظ ‹‹الإنكاح›› و‹‹التزويج›› لورودهما نصًا في كتاب الله في قوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب:37]، وقوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء} [النساء:22]([4])، فإذا تحققت هذه الصيغة مع بقية الأركان والشروط الأخرى، كتعيين الزوجين في العقد، وحصول رضاهما، وتعيين الصداق، والإشهاد على الزواج، ووجود الولي، والخلو من الموانع الشرعية، فقد انعقد الزواج.
فدل ما سبق على سهولة هذا العقد وسماحته في (صيغته) أو (شكله)، أما في موضوعه فهو ذو أمر عظيم، لما فيه من السكينة والمودة والرحمة بين الزوجين، وتهيئتهما للإنجاب، والعمل على تربية الذرية الصالحة، وغير ذلك من المنافع الكثيرة مما لا مجال لذكره.
وعلى هذا فقد اكتفى المسلمون في سابق عصورهم، بعقد الزواج بألفاظ مخصوصة -كالتي ذكرت آنفًا- وتوثيقه بالشهادة، ولم يروا آنذاك حاجة لتوثيقه بالكتابة، ومع تطور الحياة وتغير الأحوال، وما يحتمل أن يطرأ على الشهود من عوارض الغفلة والنسيان والموت، وما يقتضيه واقع الحال من تدوين كافة العقود المتعلقة بأحوال الناس وتوثيقها، أصبحت هناك حاجة لتوثيق عقود الزواج بتوثيق عقدهما كتابة، وفق تنظيم معين لهذا الغرض، وعدم الاعتراف بما ينشأ من عقود خلاف هذا التنظيم.
وقد نشأ -إلى جانب هذا- في بعض البلدان ما يسمى بـ‹‹الزواج العرفي››، وهو: اصطلاح حديث يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية، سواء أكان مكتوبًا أم غير مكتوب([5]).
ومن صور إجرائه كتابة عقد يتضمن إقرار الزوج والزوجة بأهليتهما للتعاقد والتصرف، وخلوهما من كافة الموانع الشرعية، ويدون في هذا العقد أسماء الشهود فيقر الزوج (يسمى باسمه) وبعد إيجاب وقبول ويجيب أنه قد قبل الزواج من الزوجة (تسمى باسمها) زواجًا شرعيًا على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وعملًا بأحكام الشريعة الإسلامية. كما تقر الزوجة (تسمى باسمها) بعد إيجاب وقبول صريحين، أنها قبلت الزواج من الزوج (يسمى باسمه) زواجًا شرعيًا على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وعملًا بأحكام الشريعة الإسلامية.
ويذكر في هذا العقد أن الطرفين اتفقا على صداق قدره (كذا)، كما يتضمن العقد أن الطرفين أقرا بقبولهما جميع أحكام هذا العقد بما تقضي الشريعة الإسلامية، وما يترتب عليه من آثار وخاصة البنوة، إذ إن أولادهما ثمرة هذا الزواج، ولهم جميع الحقوق الشرعية والقانونية مثلهما([6]).
أما حكم هذا الزواج فيعد صحيحًا لتوافر أركانه الشرعية وهي: الإيجاب والقبول، وتعيين الزوجين، وتحقق رضاهما، وخلوهما من الموانع الشرعية، وتوافر الولاية وتعيين الصداق والإشهاد عليه. ويترتب على هذا الزواج كافة الآثار الشرعية، كحقوق الزوجة في النفقة، وحقوق الزوج في الطاعة وحسن العلاقة والتوارث، وغير ذلك من الأحكام، والآثار الشرعية الأخرى، فهو إذًا لا يختلف عن الزواج الرسمي إلا في التوثيق، واتباع الإجراءات التي تشترطها الأنظمة لهذا التوثيق.
والسؤال هو لماذا يخشى الزوجان أو أحدهما توثيق هذا الزواج من الناحية الرسمية؟ يبدو أن هناك أسبابًا عدة:
منها: رغبة الزوج في إخفاء زواجه، إذا كان متزوجًا من زوجة أخرى، لما ينشأ عند توثيقه لزواجه من مشكلات أسرية، كطلب الزوجة الأولى الطلاق.
ومنها: ما يتطلبه توثيق الزواج رسميًا من قيود، وأعباء مالية فيلجأ الزوجان إلى الزواج العرفي خلاصًا من هذه الأعباء.
ومن هذه الأسباب: تيسر الحياة في القرى والأرياف واللجوء إلى هذا الزواج لسهولته، ويسره بعيدًا عن الإجراءات الشكلية المعقدة.
ومن هذه الأسباب: عقد الزواج بين القاصرين تحقيقًا لرغبة بعض الوالدين أو الأولياء خشية تعذر الزواج بينهما في المستقبل.
ولا يخلو الزواج العرفي من مشكلات عديدة أهمها صعوبة إثبات عقد الزواج في حال الخلاف بين الزوجين إما لغفلة الشهود، وإما لنسيانهم وإما لإنكارهم، وإما لموتهم، ولهذا يجد المعترضون عليه سببًا للمطالبة بمنعه، أو الحد منه بفرض مبالغ مالية للزوجة الأولى، إلا أن هذا الزواج يلقى قبولًا عند من تساورهم الرغبة فيه لأي سبب من الأسباب المشار إلى بعضها آنفًا.
أهمية توثيق عقد الزواج بالكتابة:
للتوثيق -من حيث العموم- منافع كثيرة، وقد شرعه الله لمصلحة عباده حفظًا لحقوقهم، وما من شيء يشرعه الله لعباده إلا وقد علم بعلمه المطلق ضرورته لهم وحاجتهم إليهم، والأصل في شرعيته ما ورد في الكتاب والسنة:
أما الكتاب: فقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} [البقرة:282].
وقد تباينت آراء الفقهاء والمفسرين فيما إذا كان الحكم في هذه الآية للندب أو الوجوب، فمن قال إنه للندب احتج بأن الآية نسخت بقول الله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البقرة:283]، كما احتج بأن هذه الآية نزلت مقترنة بالأمر بالكتابة والإشهاد، كما احتج من قال بأنها للندب بأن عقود المداينات والبياعات والأشربة، كانت تقع في الأمصار دون إشهاد، ولم ينكر ذلك أحد من الفقهاء، ولو كان الإشهاد واجبًا ما تركوا ذلك مما يدل على أنه جاء للندب وليس للوجوب([7]).
أما من قال إن الأمر بالكتابة والإشهاد للوجوب، فاحتج بما قاله ابن عباس -رضي الله عنهما- “لا والله إن آية الدين محكمة ليس فيها نسخ”([8]). واحتج كذلك بما روي مرفوعًا إلى النبي ﷺ أنه قال: ‹‹ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه، ورجل أتى سفيهًا ماله››. وقد قال الله عزوجل: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ}([9]).
كما احتج من قال بالوجوب بأن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يشهد إذا تبايع بنقد ويكتب ويشهد إذا تبايع بنسيئة([10]).
وعند الإمام ابن حزم أن القرض إذا كان إلى أجل، فرض على صاحبه كتابته وأن يشهد عليه، ومن قال إنه ندب فقد قال الباطل ولا يجوز أن يقول الله تعالى: {فَاكْتُبُوهُ} فيقول قائل أكتب إن شئت([11]).
أما شرعية التوثيق من السنة: فقد وثق رسول الله ﷺ الكثير من معاملاته ومراسلاته، وأمر بالكتابة في الصلح الذي تم مع المشركين، وقد تتالى التوثيق بالإشهاد والكتابة منذ عهده -عليه الصلاة والسلام- وعهود من تلاه من الخلفاء والولاةk استشعارًا لما في التوثيق من حفظ الحقوق والمصالح. هذا من حيث العموم.
أما عن توثيق عقد الزواج فقد دلت السنة على وجوب توثيقه بالشهادة، فقد ورد عن رسول الله ﷺ أنه قال: ‹‹لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل››([12])، كما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ‹‹البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة››([13])، واستدلالًا بهذا اتفق عدد من فقهاء الأمة على أن النكاح لا ينعقد إلا بشاهدين، وممن قال به جمع من الصحابة، والتابعين، وبعض أئمة المذاهب كالإمام أبي حنيفة والشافعي، والمشهور عن الإمام أحمد([14]).
والعلة في وجوب الإشهاد على الزواج واضحة في كونها تدل على إشهاره وإعلانه عن طريق النقل والتسامع بين الناس، مما ينفي التهمة، ويدرأ الشبهة عن العلاقة، هذا إلى جانب حفظ حقوق الزوجين وحفظ حقوق الولد في النسب وغيره، ودفع احتمالات الإنكار والجحود في حال النزاع.
ومما سبق بيانه يظهر بجلاء أهمية التوثيق في الشريعة الإسلامية سواء منه ما كان بالشهود، أو بالكتابة، وإذا كان التوثيق بالشهود سببًا لإشهار الزواج وإعلانه فإن توثيقه بالكتابة سبب أيضًا لإشهاره وإعلانه.
وقد يكون هذا التوثيق أدعى في هذا العصر الذي تعقدت فيه المشكلات، وتعددت فيه أسباب النزاع مما يقتضي توثيق العقود بالكتابة، وإذا كان من الواجب توثيق عقود البيوع، والرهون، والإجارات بالكتابة، فإن توثيق عقود الزواج بالكتابة أدعى وأهم.
ولا مراء في أن لهذا التوثيق منافع عدة:
منها: إمكانية حفظ العقد المكتوب مدة طويلة وغير محدودة.
ومنها: سهولة الرجوع إليه عند النزاع مما لا يتوافر في الشهود.
ومن هذه المنافع: معرفة الأمة لتاريخها وتسلسل أجيالها، وحفظ أنسابها، ناهيك عما يستلزمه تخطيط تنميتها واقتصادها من توثيق زيجاتها.
وينبني على ما سبق أن ولي الأمر إذا ألزم الأمة بتوثيق عقود الزواج فيها كتابة، ونهى عن الزواج العرفي أو غير الموثق أصبح المكلفون ملزمون بطاعته، استدلالًا بقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء:59]، واستدلالًا أيضًا بمبادئ الشريعة ومقاصدها التي توجب طاعة ولي الأمر، مادام أمره في غير معصية الله، كما قال ذلك أبو بكر -رضي الله عنه- في خطبته الشهيرة: ‹‹أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم››([15]).
وخلاصة المسألة: أن عقد الزواج في الشريعة الإسلامية يتم بألفاظ مخصوصة تتضمن الإيجاب والقبول، فإذا تحققت هذه الألفاظ مع بقية الأركان والشروط الأخرى كتعيين الزوجين في العقد، وتوافر رضاهما، وتعييين الصداق مع وجود الولي، والشهود، والخلو من الموانع الشرعية، فقد انعقد الزواج.
وقد اكتفى المسلمون في سابق عصورهم بتوثيق الزواج بالشهادة. ومع تطور الحياة وتغير الأحوال، وما يطرأ على الشهود من العوارض نص العديد من القوانين على إلزام الزوجين بتوثيق عقدهما كتابة، وقد نشأ إلى جانب هذا في بعض البلدان ما يسمى (الزواج العرفي)، أو غير الموثق بوثيقة رسمية، ويعد هذا الزواج صحيحًا لتوافر أركانه الشرعية، ويترتب عليه كافة الأحكام والآثار الشرعية، ولا يختلف عن الزواج الرسمي إلا من حيث التوثيق كتابة، وقد ساعد على وجود هذا الزواج عدة عوامل منها رغبة الزوج في إخفاء زواجه، إذا كان متزوجًا من زوجة أخرى، ومنها ما يتطلبه توثيق الزواج رسميًا من قيود وأعباء مالية، ولكن هذا الزواج لا يخلو من مشكلات عدة أهمها صعوبة الإثبات في حال الخلاف، إما لغفلة الشهود وإما لنسيانهم وإما لإنكارهم.
وقد دلت السنة على وجوب الإشهاد في الزواج لما في ذلك من إشهاره وإعلانه، وفي هذا العصر الذي تعقدت فيه المشكلات وتعددت فيه أسباب النزاع أصبح واقع الحال يقتضي توثيق العقود بالكتابة، ولا مراء في أن لهذا التوثيق أهمية كبرى فإذا ألزم ولي الأمر الأمة بتوثيق عقود زواجها كتابة أو نهاها عن الزواج العرفي أو غير الموثق أصبح من الواجب طاعته.
والله أعلم.
([1]) وقد استدلوا على جواز الانعقاد بلفظ الهبة بأن نكاح رسول الله ﷺ انعقد بهذا اللفظ، وينعقد به نكاح أمته، وذلك بدلالة قول الله تعالى: {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}[الأحزاب:50]. ولأن هذه الآية معطوفة على قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ}[الأحزاب:50]، فقد أخبر تعالى أن المرأة التي وهبت نفسها للنبي عند استنكاحه لها حلال له. وما كان مشروعاً في حقه يكون مشروعاً في حق أمته حتى يقوم دليل الخصوص في حقه وحده عليه الصلاة والسلام، فإن قيل قد قام هذا الدليل في قوله تعالى: {خالٌصةْ لك مٌن دٍونٌ الًمٍؤًمٌنٌين} فالجواب أن المراد منه الخلوص له وحده -عليه الصلاة والسلام- بدون أجرة، فالخلوص يرجع إلى الأجر لا إلى لفظ الهبة. انظر في هذا كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني، ج2 ص229-231، وشرح فتح القدير لابن الهمام، ج3 ص189-190، وحاشية رد المحتار لابن عابدين، ج3 ص9-15، والاختيار لتعليل المختار لابن مودود الموصلي، ج3 ص82-83، واللباب في شرح الكتاب للغنيمي، ج3 ص3.
([2]) عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم أهل المدينة لابن شاس، ج2 ص11-13، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب، ج3 ص419-420، وشرح منح الجليل لعليش، ج3 ص266-269، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدسوقي، ج2 ص221، وبلغة السالك لأقرب المسالك للصاوي، ج1 ص380، والشرح الصغير للدردير هامش بلغة السالك، ج1 ص380.
([3]) المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي، ج2 ص35-42، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي، ج6 ص209-217، والأم للإمام الشافعي، ج5 ص23، وحواشي الشرواني وابن قاسم العبادي، ج7 ص217-221، وحاشية الجمل على شرح المنهج، ج4 ص134-135.
([4])انظر في مذهب الإمام أحمد المغني والشرح الكبير لابن قدامة، ج7 ص428، وكشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي، ج5 ص37، والإنصاف للمرداوي، ج8 ص45، وحاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع لابن قاسم، ج6 ص246-247، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي، ج3 ص11. قلت: ولعل ما ورد في مذهب الإمام الشافعي وأحمد من قصر الصيغة على (الإنكاح) أو (التزويج) هو الصواب؛ لأن هذين اللفظين وردا في كتاب الله ولم يرد فيه ما يدل على الهبة والتمليك والصدقة والبيع، وما ورد في كتاب الله أحق وأوجب أن يتبع.
أما ما ورد في المرأة التي وهبت نفسها لرسول الله ﷺ فهذا من الخصوصية له عليه الصلاة والسلام، كما هو الحال في زواجه من تسع نساء بينما لم يشرع الشرع لأمته سوى أربع. والله أعلم.
([5]) بيان للناس من الأزهر، ج2 ص268.
([6]) أحكام الزواج العرفي للمسلمين من الناحية الشرعية والقانونية لهلال يوسف إبراهيم ص108-109.
([7]) أحكام القرآن للجصاص، ج4 ص205-208.
([8])جامع الأحكام الفقهية للقرطبي، ج2 ص5.
([9])رواه البيهقي في السنن الكبري، ج10 ص46،وأورده محمد ناصر الدين الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم (1805)، ج4 ص 420.
([10]) المحلى بالآثار لابن حزم، ج7 ص226، موسوعة فقه عبد الله بن عمر لقلعه جي، ص129.
([11]) المحلى بالآثار، ج6 ص351-352.
([12]) أخرجه الترمذي في كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي بأرقام (1101 و1102)، وأخرجه أيضًا في باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة برقم (1104)، سنن الترمذي ج3 ص 407 ـ 412، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (٩٩٠٨).
([13]) أخرجه الترمذي في كتاب النكاح باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة برقم (1103) ج3 ص411، قال محمد فؤاد عبدالباقي: ‹‹والحديث لم يخرجه من أصحاب الكتب الستة سوى الترمذي ››، ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي، (١١٠٣).
([14]) شرح فتح القدير لابن الهمام، ج3 ص199، والهداية شرح بداية المبتدي، ج3 ص199، وحاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين، ج3 ص21-22، وبدائع الصنائع للكاساني، ج2 ص232، والمهذب للشيرازي، ج2 ص40، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي، ج6 ص217، وكشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي، ج5 ص65، والمغني والشرح الكبير لابن قدامة، ج7 ص340، الإنصاف للمرداوي، ج8 ص102.
([15]) أورده عبدالرزاق في مصنفه في باب لا طاعة في معصية برقم (20702) ج11 ص336، صحح إسناده شعيب الأرنؤوط في تخريج مسند أبي بكر، (١/١٥٩).