والجواب من حيث العموم: أن التعامل في البيع والشراء عملية يتداخل فيها الربح والخسارة، فيربح فيها طرف، ويخسر فيها آخر، وقد يتوازن طرفاها، فيربح هذا، ويربح الآخر، وقد يظن أحدهما أنه قد ربح من صفقته، بينما هو على العكس من ظنه، وذلك حين يشتري يومًا ما أسهمًا بقيمة معينة، ثم تتدنى هذه القيمة في اليوم الآخر.
والعكس صحيح حين يشتري أسهمًا بقيمة معينة يظن أن فيها خسارةً، ثم يجد أن هذه القيمة قد تضاعفت في اليوم الآخر،
وهكذا، وهذه أمور يعدها المتعاملون في البيع والشراء من المسلمات والبدهيات.
والأصل في الشرع الإسلامي ألا يكون ظلما، أو فسادا، أو غبنا فاحشا في التعامل، وقد أخبر الله أن نبيه شعيبًا نصح قومه بالعدل، وعدم الفساد في تعاملهم، بألا ينقصوا المكيال والميزان، ولا يبخسوا الناس أشياءهم، فقال -تعالى-: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيط} [هود: 84]، {وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِين} [هود: 85].
وقد توعد الله المطففين في قوله -تعالى-: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِين} [المطففين: 1] {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون} [المطففين: 2] {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون} [المطففين: 3]، والأدلة في هذا كثيرة، والمقصود أن يكون هناك عدل وتوازن بين المتعاملين، وهذا التوازن لا يمنع وقوع خسارة لأحد طرفي التعامل؛ استدلالًا بقول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29]، وقول رسول الله -ﷺ-: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض)([1])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (لا يبع حاضر لباد)([2]).
ولكن المهم ألا تبلغ هذه الخسارة الحد الذي يسبب لأحد طرفي التعامل غبنًا فاحشًا؛ لأنه يكون حينئذ من باب الفساد الذي نهى الله عنه.
والمتعامل قد لا يتأثر من ربحه وخسارته بما يفعله هو نفسه، ولكنه يتأثر حين يقوم بالوكالة عنه شخص آخر، فيظن أن وكيله قد سبب له خسارة في عملية ما، أو أنه لم يحقق له الربح الذي كان يتوقعه من وكالته، وعندئذ ينشأ الخلاف بينهما كما هو الحال في المسألة.
وقد تعرض الفقهاء للعلاقة بين الموكِّل ووكيله:
ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: أن التوكيل بالبيع لا يخلو إما أن يكون مطلقًا، وإما أن يكون مقيدًا، فإن كان مقيدًا وجب مراعاة التقييد فيه، فإن خالف القيد لم ينفذ على الموكِّلِ، ولكن يتوقف على إجازته، إلا أن يكون خلافه خيرًا للموكل، كما لو أمر الوكيلَ أن يبيع له شيئًا بألف درهم، فباعه بأكثر من ذلك؛ لأنه إن كان خلافًا صورةً، فهو وفاقٌ معنًى، ومطلق البيع ينصرف إلى البيع المتعارف عليه، والبيع بغبن فاحش ليس بمتعارف، فلا ينصرف إليه.
وللإمام أبي حنيفة أن الأصل في اللفظ المطلق أن يجري على إطلاقه، ولا يجوز تقييده إلا بدليل، والعرف متعارض، فالبيع بغبن فاحش لغرض التوصل بثمنه إلى شراء ما هو أربح منه متعارف -أيضًا- ، فلا يجوز تقييد المطلق مع التعارض([3]).
وفي مذهب الإمام مالك: إذا خالف الوكيل بأن باع بأنقص مما سمي له، أو من ثمن المثل إذا لم يسم، أو بفلوس أو عروض، وليس الشأن ذلك، فيخير الموكل في الرد والإمضاء، فإنْ رَدَّ البيعَ أخذ سلعته إن كانت قائمة، أو قيمتَها إن فاتت عند المشتري([4]).
وفي مذهب الإمام الشافعي: لا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن الموكل من جهة النطق، أو من جهة العرف، فإن تناول الإذن تصرفين، وفي أحدهما إضرار بالموكل لم يجز، فإن تناول تصرفين، وفي أحدهما نظر للموكل لزمه ما فيه النظر للموكل([5]).
وفي مذهب الإمام أحمد: إذا باع الوكيل بدون ثمن المثل، أو بأنقص مما قدره صح، وضمن النقص([6])، فلو أعطى الموكل وكيله ثوبًا ثَمَنُ مثلِه مئة درهم؛ ليبيعه له، ولم يعين له الثمن، فباعه بثمانين، ولكن غيره قد يبيع هذا الثوب بخمسة وتسعين درهمًا، فهذه الخمسة التي نقصت عن ثمن المثل مما يتغابن الناس بمثله في العادة، فلو أن الوكيل باع الثوب بمثل هذا النقص (أي خمسة وتسعين درهمًا) لم يضمن شيئًا؛ لأن التحرز عن مثل هذا فيه عسر، لكنه إذا باع بنقص لا يُتغابن بمثله بين التجار (وهو عشرون من مئة)، فيضمن عندئذ جميع العشرين؛ لأنه قد فرط بترك الاحتياط([7]).
ومن ظاهر السؤال يتبين أن الموكل قد عهد إلى وكيله ليبيع أسهمه، ولم يسم له ثمنًا معينًا، فترك له بهذا أن يتصرف في البيع، وهذا يوجب عليه الاجتهاد في طلب الثمن المناسب لموكله، عملًا بقول رسول الله -ﷺ-: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)، قيل له: لمن يا رسول الله؟، قال: (لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)([8]).
فلو فرض أن سعر الأسهم قد هبط في ذلك اليوم الذي باعها فيه لوجب عليه أن ينتظر إلى يوم أو أيام أُخَرَ؛ لأن أسعار الأسهم عملية غير ثابتة، فقد تهبط في وقت، وترتفع في وقت آخر، فإذا لم يكن الموكل قد طلب من وكيله بيع أسهمه على الفور، وبأي ثمن، وباعها الوكيل بسعر يتغابن فيه الناس، فيجب عليه دفع النقص حسبما هو متعارف عليه، فلو فرض أن قيمة السهم في الشركة المشار إليها مئة ريال مثلاً، وباع السهم بسبعين ريالًا، وجب عليه دفع النقص، أي: ثلاثين ريالًا جزاء تفريطه.
أما طلب صاحب الأسهم رد أسهمه عليه فلا وجه له؛ لأنه قد فوض الوكيل في بيعها، وطالما أن المشتري قد اشتراها بالسعر السائد -أي: في وقت هبوط أسعار الأسهم في حينه- فيعد بذلك حسن النية، وليس للموكل سوى الحصول على سعر المثل لأسهمه في الأحوال العادية، والرجوع فيه على الوكيل.
وخلاصة المسألة: أن الموكل قد عهد إلى وكيله ببيع أسهمه، ولم يسم له ثمنًا معينًا، فترك له بهذا أن يتصرف في البيع، وهذا يوجب عليه الاجتهاد في طلب الثمن المناسب لموكله، فإذا لم يكن الموكل قد طلب من وكيله بيع أسهمه على الفور، وبأي ثمن، وباعها الوكيل بسعر يتغابن فيه الناس، فيجب عليه دفع ما نقص من السعر حسبما هو متعارف عليه.
أما طلب صاحب الأسهم رد أسهمه عليه فلا وجه له؛ لأنه قد فوض الوكيل في بيعها، وطالما أن المشتري قد اشتراها بالسعر السائد-أي: في وقت هبوط أسعار الأسهم-فيعد بذلك حسن النية، وليس للموكل سوى الحصول على سعر المثل لأسهمه في الأحوال العادية، والرجوع فيه على الوكيل.
والله أعلم.
([2]) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب النهي للبائع ألا يحفل الإبل والبقر والغنم وكل محفلة، صحيح البخاري ج3 ص 26، وأخرجه مسلم في كتاب البيوع، باب تحريم بيع الحاضر للبادي، صحيح مسلم بشرح النووي ج11 ص164.
([3]) بدائع الصنائع للكاساني ج6، ص27ـ29، وانظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج5، ص515ـ517، ودرر الحكام شرح مجلة الأحكام لعلي حيدر، كتاب الشركات ص604ـ608، ص626، والاختيار لتعليل المختار لابن مودود الموصلي ج2 ص161.
([4]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدسوقي على الشرح الكبير للدردير ج3 ص384، وشرح منح الجليل على مختصر خليل لعليش ج6، ص373، 379ـ381، ومواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج5، ص193ـ194، وعقد الجواهر الثمينة لابن شاس ج2، ص684، والشرح الصغير للدردير هامش بلغة السالك لأقرب المسالك للصاوي ج2، ص186.
([5]) المجموع شرح المهذب للنووي ج14، ص109ـ110، 132ـ133، والحاوي الكبير للماوردي ج8، ص235ـ241، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي ج5، ص44ـ45، ومغني المحتاج للشربيني الخطيب ج2، ص227ـ230، وقليوبي وعميرة ج2، ص341ـ342، ومتن المنهاج للنووي هامش مغني المحتاج ج2، ص229.
([6]) الإنصاف للمرداوي، ج5، ص379ـ381.
([7]) مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى للرحيباني ج3، ص466، وانظر: المغني لموفق الدين عبدالله بن قدامة مع الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة ج5، ص254ـ256، وكشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ج3، ص476-477، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي ج2، ص310، وكتاب الفروع لابن مفلح ج4، ص358-359، وحاشية الروض المربع ج5، ص219-220.