والسؤال هو عما إذا كان السماح لها بالعمل يسقط واجباتها الزوجية المعتادة؟
والجواب: أن الأصل في الزواج «السكينة» بين الزوج وزوجته، وفي هذا قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف:189]، وقد جعل الله ذلك من آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته، قال تعالى:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [الروم:21]،
ولا تتحقق السكينة إلا مع حسن المعاشرة، وقيام الزوج بما يجب عليه نحو زوجته، وهذه الواجبات كثيرة، ومنها وجوب معاشرته لها بالمعروف والصبر عليها ولو كره منها أمرًا، وفي ذلك قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]، وقال رسوله -عليه الصلاة والسلام- “ولا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر”([1]).
وقال -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع “استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عوان”([2])، ومن واجبات الزوج نحو زوجته الإنفاق عليها، وإكرامها، وإمساكها بالمعروف، ولا تتحقق السكينة إلا مع حسن معاشرة الزوجة لزوجها، وقيامها بما يجب عليها نحوه، وهذه الواجبات كثيرة وجماعها كلها “طاعته”، ما لم يكن في ذلك معصية لله، والأحاديث في هذا كثيرة، منها: ما رواه ابن ماجه عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله ﷺ «لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها”([3])، ومنها: ما رواه أيضا عن أم سلمة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله ﷺ “أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة”([4])
وليس من الواضح في السؤال طبيعة الواجبات الزوجية المعتادة. وعلى فرض أن هذه الواجبات طبخ الطعام، ونظافة المنزل، وتربية الأولاد، ونحو ذلك مما هو معروف لدى عامة الناس، على هذا الفرض يمكن القول أن الزوجة ملزمة بأداء هذه الخدمة لزوجها خاصة إذا كان غير قادر على تأمين من يقوم بأداء هذه الخدمة. وقد سماها الفقهاء الخدمة الباطنة، ففي مذهب الإمام مالك أن المرأة إذا لم تكن أهلًا للإخـدام فعليها الخدمة الباطنة من عجن وكنس وفرش وطبخ وإن كان الزوج معسرًا فلا خدمة عليه ولو كانت الزوجة ممن تخدم([5]).
وللإمام أحمد رأي مخالف: فعنده -رحمه الله-. . ليس على المرأة خدمة زوجها من العجـن والخبز والطبخ وأشباهه. وعند أبي بكر بن أبي شيبة وأبي إسحاق الجوزجاني من علماء المذهب الحنبلي أن عليها ذلك، واحتجا بقصة علي وفاطمة، فقد قضى رسول الله على ابنته فاطمة بخدمة البيت، وعلى علي ما كان خارج البيت من عمل، واستدل الجوزجاني بقول النبي ﷺ: «لو كنت أمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أسود إلى جبل أحمر أو من جبل أحمر إلى جبل أسود كان عليها أن تفعل” قال “فهذه طاعة فیما لا منفعة فيه فكيف بمؤنة معاشه”([6]).
والمعنى واضح فى علاقة الزوج بزوجته، فكما أن الزوج ملزم بنفقة زوجته ومعاشرتها بالمعروف فإنها ملزمة بطاعته، في غير معصية الله، ومن طاعته قيامها بواجباتها الزوجية، وهذه الواجبات تختلف بإختلاف الزمان، وتغير العادات، فإذا كانت مثيلاتها يقمن بواجبات المنزل من طبخ ونظافة ونحو ذلك عليها أن تقوم بها، وليس من حقها أن تطلب من زوجها ما ليس من عادة مثلها أن يطلبنه.
هذا من جهة المثال، أما من جهة الحال فليس من حق الزوجة أن تطلب من زوجها شيئًا لا يقدر عليه، ولو كن مثيلاتها يخدمن؛ لأن القيام بالواجب يتحتم مع القدرة؛ استدلالًا بقول الله تعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:286].
والزوجة في السؤال مسؤولة عن واجباتها الزوجية المعتادة، أسوة بغيرها من الزوجات ممن هن مثلها، فإذا كانت لا تستطيع ذلك وجب عليها الاستعانة بخادمة تساعدها، إذا رضي زوجها بذلك، وتكون نفقة هذه الخدمة عليها.
أما القول بأن موافقة زوجها على عملها يعفيها من مسؤولياتها الزوجية، فأمر لا يتفق مع الغرض من الزواج، وهو السكينة بما تقتضيه من المودة وحسن المعاشرة بين الزوجين، ولا يتفق مع ما أوجبه الشرع الإسلامي من وجوب طاعة الزوجة لزوجها.
وخلاصة المسألة: أن الأصل في الزواج السكينة بين الزوج وزوجته، والأمر واضح في علاقة الزوج بـزوجـتـه، فـكـمـا أن الزوج مـلـزم بنفقة زوجته ومعاشرتها بالمعروف، فإنها ملزمة بطاعته في غير معصية الله، ومن طاعته قيامها بواجباتها الزوجية المعتادة، وهذه الواجبات تختلف باختلاف الزمان والعادات، فإذا كن مثيلاتها يقمن بواجبات المنزل من طبخ ونظافة ونحو ذلك، وجب عليها أن تقوم بها، وليس من حقها أن تطلب من زوجها ما ليس من عادة مثيلاتها أن يطلبنه، كما أنه ليس من حق الزوجة أن تـطـلـب مـن زوجها ما لا يـقـدر عـلـيـه مـن الخدمة، ولو كن مثيلاتها يخدمن؛ لأن القيام بالواجب يتم مع القدرة، وما لا فلا.
فإذا كانت الزوجة في السؤال لا تستطيع القيام بخدمة المنزل، وجب عليها الاستعانة بخادمة تساعدها إذا رضي زوجها بذلك، وتكون نفقة هذه الخادمة عليها.
والله أعلم.
([1]) أخرجه مسلم في كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء صحيح مسلم بشرح النووي مسند الإمام احمد ج۲ ص ۳۲۹، السنن الكبرى للبيهقي ج7 ص ۲۹5.
([2]) أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب الوصاة بالنساء، صحيح البخاري ج6، ص 145. وأخرجه اين ماجه في كتاب النكاح، باب حق المرأة على الزوج برقم (۱۸5۱) سنن ابن ماجه ج1 ص 594 سنن الترمذي ج3 ص467.
([3]) أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح باب حق الزوج على المرأة برقم (۱۸52) سنن ابن ماجه ج 1 ص 595. وأخرجه الترمذي في كتاب الرضاع باب ما جاء في حق الزوج على المرأة برقم (١١5٩) سنن الترمذي ج 3 ص 465، صححه الألباني في صحيح ابن ماجه، (١٥١٤).
([4]) أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح باب حق الزوج على المرأة برقم (١٨٥٤)، سنن ابن ماجه، ج۱ ص595، وأخرجه الترمذي في كتاب الرضاع باب ما جاء في حق الزوج في المرأة برقم (١١٦١)، سنن الترمذي، ج 3 ص 4٦٦، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (٢٩٣٠).
([5]) شرح منح الجليل لعليش، ج4 ص ٣۹۳-٣٩٤، والتاع والإكليل لمختصر خليل للمواق هامش مواهب الجليل للحطاب، ج4 ص۱۸5-۱۸6.
([6]) المغني والشرح الكبير لابن قدامة ج 8 ص 130 وانظر السياسة الشرعية في إصلاح الراعي لابن تيمية كشاف القناع من متن الإقناع للبهوتي ج 5 ص 195-196 , ومطالب أولى النهى في شرح غاية المنتهي للرحيباني ج 5 ص 263-264 به من ٢٦٣-٢١٤، وحاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ج6 ص 433، والحديث ضعفه الألباني في إرواء الغليل، (٢٠١٣).