ومفاد المسألة سؤال من السيدة/ نور الهدى… من الجزائر عن حكم ما تفعله المرأة بالمرأة مما يعرف بـ‏«‏السحاق‏»‏‏، وكذا حكم ما تدخله المرأة في محل عفتها من أداة بديلا عن الممارسة الزوجية.

العلاقة المحرمة بين المرأة والمرأة

والجواب: أن الله -عز وجل- حين خلق الخلق قدر لهم في كتبه وعلى لسان رسله ما يلائمهم من الطباع، والأفعال، والسلوك، ثم بين لهم ما يجب عليهم أن يفعلوه، وما يجب أن يتركوه؛ فهم بذلك بين أمرين: إما أن يأتمروا بما أمر به، وينتهوا عما نهى عنه؛ فينالوا بذلك جزاء الطاعة، وإما أن يعرضوا عن أمره ونهيه؛ فينالوا بذلك جزاء المعصية، وفي كلا الأمرين ليس لهم خيار، عملا بقول الله -عز وجل-: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا} [الأحزاب:36].

ومن الطباع والأفعال والسلوك ما يتعلق بالتزاوج، فقد أراده الله -عز وجل- بين نوعين مختلفين: الذكر والأنثى، حيث جعل لكل منهما خصائص طبيعة مختلفة، وقد ترتب على هذه الخصائص أحكام كثيرة تتعلق حسا ومعنى بالعلاقة الزوجية، والولد، والتوارث..، وهذا الترتيب ترتيب إلهي من المسلمات الكونية التي عرفها وعاشها الإنسان، بل جميع المخلوقات القابلة للتكاثر، فإذا خرج الإنسان على هذا الترتيب فقد اعتدى على إرادة الله، وعصى أوامره، ناهيك عن إخلاله بالنواميس الطبيعية، وما يترتب على هذا الإخلال من الأخطار والأضرار الدينية والدنيوية.

أما الدينية فإن قوم لوط -مثلا- لما فعلوا الفاحشة بينهم، وعصوا أمر نبيهم باجتنابها وتحذيره لهم من سوء عملهم؛ قلب الله أرضهم عاليها سافلها، ثم اتبع ذلك بحجارة أمطرتهم، فأصابتهم جميعا، وفي هذا قال الله -عز وجل-: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُون * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُون} [النمل: 54: 55] إلى قوله: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَسَاء مَطَرُ الْمُنذَرِين} [النمل: 58].

أما الأضرار الدنيوية فأكثر من أن تحصر:

ومنها: بشاعة هذا الفعل، ومخالفته لسنة الله وإرادته.

ومنها: أن هذا الفعل مما تأباه وتنكره الطباع السليمة، حتى إن الحيوانات تأباه، وتنأى عنه.

ومنها: ما يؤدي إليه من ترك الزواج الطبيعي، وما ينتج عنه من فقد النسل.

ومنها: ما يؤدي إليه هذا الفعل من الأمراض والأوبئة التي عرفها العالم المعاصر، وشاهدها اليوم فيمن يمارسون هذا المنكر، وما حل بهم من فقد المناعة والأمراض؛ مصداقا لقول رسول الله -ﷺ-: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا»([1]).

قلت: وينبني على هذا أن أي فعل أو سلوك يخالف حكم الله وسننه في خلقه، وما أراده لهم؛ يعد عدوانا ومبالغة في الشر والظلم؛ مصداقا لقول الله -عز وجل- على لسان نبيه لوط في قوله: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُون} [الشعراء:166].

هذا من حيث العموم في المسألة، أما بخصوص فعل المرأة بالمرأة مثل ما يفعل بها الرجل فهو فسق وإثم محرم بالإجماع، والأصل في تحريمه الكتاب والسنة والمعقول.

أما الكتاب: فقول الله -تعالى-: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:31]، وحفظ الفرج يكون عن طريق الزواج الشرعي فحسب، وما عداه من زنا وسحاق ونحوهما يعد تعديا، وعدم حفظ للفرج.

وأما السنة: فما رواه أبو سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله -ﷺ- قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد»([2])، وما رواه واثلة بن الأسقع وأنس بن مالك -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -ﷺ-: «تذهب الدنيا حتى يستغني الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، والسحاق زنا النساء بينهن»([3]).

وأما المعقول: فإن الفعل المشروع هو ما يتفق مع الفطرة التي خلق الله الإنسان عليها، فإذا خالف الفعل هذه الفطرة أصبح مخالفا للعقل.

وقد عد الفقهاء هذا الفعل من المحرمات الموجبة للتعزير والتأديب، وفي هذا يقول الإمام ابن الهمام: “إذا أتت المرأة المرأة فإنهما تعزران”. ويقول الدسوقي في حاشيته: “وأدب فاعل المساحقة”. ويوجب الإمامان: النووي والبهوتي التعزير على السحاق([4])، وقد روى ابن الجوزي قول ابن عقيل: “إنه إذا عرف في النساء حب هذا الفعل وجب منع خلوة بعضهن ببعض»([5]).

أما سؤال الأخت عن حكم ما تدخله المرأة في فرجها من أداة بديلا للعلاقة الزوجية فهو -أيضا- من المحرمات؛ لمنافاته ما أمر الله به من حفظ الفرج، ومنافاته -أيضا- للسلوك السليم، والفطرة التي فطر الله عليها خلقه، ناهيك عما يسببه هذا الفعل من الأمراض الجنسية المختلفة، وهو كالسحاق إثم وفسوق.

وخلاصة المسألة: أن فعل المرأة بالمرأة مما يعرف بالسحاق يعد من الأمور المحرمة الموجبة للتعزير والتأديب، كما أن إدخال المرأة أداة في فرجها بديلا للعلاقة الزوجية المشروعة يعد -أيضا- من الأمور المحرمة.

والله -تعالى- أعلم.

([1])  أخرجه ابن ماجة في كتاب الفتن، باب العقوبات، رقم (4019)، سنن ابن ماجة ج2 ص1332-1333، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٧٩٧٨).

([2])  أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب تحريم النظر إلى العورات، صحيح مسلم بشرح النووي ج4 ص30.

([3]) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد، باب زنا الجوارح، ج6 ص256، من رواية الطبراني وأبي يعلى، وأخرجه أبو الفرج ابن الجوزي في أحكام النساء، باب في تحريم السحاق بين النساء ص118، ضعفه السيوطي في الجامع الصغير، (٤٧٨٤).

([4])  انظر: شرح فتح القدير لابن الهمام على الهداية شرح المرغيناني ج5 ص262، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير ج4 ص316، وروضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي ج10 ص91، وكشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ج6 ص95-96.

([5])  كتاب أحكام النساء لابن الجوزي ص119.