ومفاد المسألة سؤال من الأخ / م د.. لخضر من الجزائر يسأل فيه عن حكم اقتناء اللحوم المصروعة أو المخنوقة، وحكم مشتقـات الحليب المستـورد الـذي يقـال: إنـه مدهـون بشحـم الخنزير.

حكم اللحوم المصروعة أو المخنوقة وحكم مشتقات الحليب المدهون بشحم الخنزير

والجواب على هذا من وجهين:

الأول: اللحوم المصروعة أو المخنوقة:

هناك أربعة شروط لذبح الحيوان لكي يصح أكله واقتناؤه:

وأول هذه الشروط: أن يكون المذكِّي عاقلًا مميزًا مسلمًا؛ لقول رسول الله -ﷺ-: «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»([1])، فمن بلغ ومَيَّزَ أصبح في حكم العاقل الجائز ذبحه للحيوان، أو يكون المذكي من أهل الكتاب (اليهود والنصارى)، والأصل في ذلك قول الله -تعالى-: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ}([2])، وقد ذكر أهل التفسير أن المقصود بطعامهم ذبائحهم([3]).

الشرط الثاني: قطع الحلقوم المعروف بمجرى الطعام، والأصل في هذا ما روي أن رسول الله -ﷺ- نهى عن شريطة الشيطان، وهي التي تذبح، فيقطع الجلد، ولا تُفرى الأوداج، ثم تترك حتى تموت([4])، وفي رواية عند الإمام أحمد قال -ﷺ-: «لا تأكل الشريطة؛ فإنّها ذبيحة الشيطان»([5])، وما روي أن ابن عمر -رضي الله عنهما -: “نهى عن النّخع، وهو القطع ما دون العظم، ثم يدع حتى يموت”، وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما -: “الذكاة في الحلق واللبّة”([6])، وما روي -أيضًا- عنه- عليه الصلاة والسلام- أنه قال: «إذا أهريق الدم، وقطع الودج فكُلْ»([7]).

فاقتضى هذا تحريم أكل الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة:

فالميتة هي: ما فارقتها الروح من غير ذكاة.

والمنخنقة هي: التي تموت خنقًا بحبس نَفَسِها بحبل ونحوه، سواء كان ذلك من قبل آدمي أو غيره.

والموقوذة هي: التي ترمى بحجر أو عصا أو نحوهما حتى تموت من غير تذكية.

والمتردية هي: التي تتردى من العلو إلى السفل فتموت.

والنطيحة هي: الحيوان ينطحه آخر، فيموت قبل أن يذكى.

والأصل في هذا قول الله -عز وجل-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}([8])([9]).

ويلحق بهذا الحيوان الذي يصرع بزهوق روحه صعقا بالكهرباء، ويعد بمثابة الحيوان الميت.

الشرط الثالث: التسمية عند الذبح، بحيث يذكر المذكي اسم الله على ما يذبح؛ عملًا بقول الله -عز وجل-:{فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِين}([10])، فإن ترك التسمية ناسيًا غير عامد جاز أكل ذبيحته؛ لما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما -موقوفًا ومرفوعًا قال: «ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم إذا لم يتعمد»([11]).

الشرط الرابع: آلة الذبح بحيث يخرج الدم خروجًا واضحًا أثناء الذبح؛ عملًا بقول رسول الله -ﷺ-: «ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه، فكُلْ، ليس السنَّ والظفرَ»([12]).

ويتفرع عن هذا مسألة اللحوم المستوردة من الدول غير المسلمة، وما إذا كان يجوز أكلها رغم عدم العلم بطريقة ذبحها.

ويفرق في هذا بين مسألتين:

الأولى: إن كانت مستوردة من بلدان أهل الكتاب فالأصل حل أكلها؛ لعموم قول الله -تعالى-:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ}([13])، فإن علم على وجه اليقين أن الذبح يتم بطريق الصعق الكهربائي أو نحوه فهذا يحرم أكل لحمه؛ لأنه في حكم الميتة المحرمة أصلًا على المسلم.

المسألة الثانية: إن كانت تلك اللحوم تستورد من بلاد غير أهل الكتاب فلا يجوز أكلها؛ لأن الإباحة اقتصرت على أهل الكتاب بوضوح النص، فاقتضى هذا عدم حل طعام غيرهم إلا إذا تحقق أنَّ في هذه البلاد مسلمين أو كتابيين يباشرون الذبح وفقًا للوجه الشرعي.

الوجه الثاني: مشتقات الحليب المدهون بشحم الخنزير:

الأصل في تحريم لحم الخنزير الكتاب والسنة والإجماع والمعقول، أما الكتاب: فقول الله -عز وجل-: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ}([14])، وقوله -تعالى-: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}([15])، وقوله -عز وجل-: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}([16]).

وأما السنة: فقد خطب رسول الله -ﷺ- يوم الفتح، فقال: «إن الله ورسوله حرم عليكم بيع الخمر والميتة ولحم الخنزير والأصنام»([17])، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا مُقسِطًا، فيكْسِرُ الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد»([18]).

وأما الإجماع: فقد أجمع عامة الفقهاء على تحريم الخنزير، في لحمه وشحمه وعظمه ودمه وشعره وسائر أجزائه، سواء كان الأمر يتعلق بأكله أو رهنه أو إجارته أو تنميته أو تسويقه([19]).

وأما المعقول: فإن الخنزير من أَكَلَةِ القاذورات والفئران، ويتولد عن ذلك ضرر للصحة؛ لما ينتج عن أكله من وجود الدودة الشريطية والحلزونية، إلى جانب ما ينتج عن أكله من عسر الهضم؛ لكثرة الشحوم في لحمه، ومن المعقول ألا يأكل الإنسان ما يضر بجسمه، ويؤثر سلبًا في سلامته وصحته.

إذا عُلم هذا فإنه لا يجوز تناول الحليب أو أي نوع من أنواع الطعام إذا أدخل فيه شيء من الخنزير، سواء كان ذلك للأكل، أو الشرب، أو غير ذلك.

وخلاصة المسألة: تحريم أكل الميتة التي فارقتها الروح من غير ذكاة، وكذلك تحريم ما في حكمها كالمصروعة بالصعق الكهربائي، وكذلك تحريم المخنوقة بأي وسيلة، وكذلك الموقوذة التي ترمى بشيء، فتموت من غير تذكية، ومثل ذلك في الحكم الحيوان الذي يتردى من العلو إلى السفل، وما ينطحه حيوان آخر، فيموت قبل تذكيته.

أما اللحوم المستوردة من بلدان أهل الكتاب فالأصل حل أكلها، ما لم يكن الذبح قد تم بطريق الصعق الكهربائي، وأما اللحوم المستوردة من بلدان غير أهل الكتاب فلا يحل أكلها إلا إذا تحقق أنَّ في هذه البلاد مسلمين أو كتابيين يباشرون الذبح وفقًا للوجه الشرعي.

وبالنسبة لمشتقات الحليب المدهون بشحم الخنزير (الجزء الثاني من المسألة) فلا يجوز أكل هذه المشتقات بشكل جزئي أو كلي؛ لأن الخنزير محرم في كل أجزائه من لحم وشحم وعظم وغيرها، والله أعلم.

 

([1]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة؟، برقم (495)، سنن أبي داود ج1 ص133، وأخرجه الإمام أحمد في المسند ج2 ص180، 187، صححه الألباني في إرواء الغليل، (٢٩٨).

([2])  سورة المائدة من الآية 5.

([3]) انظر: أحكام القرآن للجصاص ج3 ص320، وأحكام القرآن لابن العربي ج2 ص553، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج2 ص19، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج6 ص76.

([4]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الضحايا، باب في المبالغة في الذبح، برقم (2826)، ج3 ص252، وأعلّه ابن القطان بأحد رواته، كذا في فيض القدير للمناوي ج6 ص332، وقال شمس الحق العظيم آبادي في عون المعبود ج8 ص8: “قال المنذري: في إسناده عمرو بن عبد الله الصنعاني، وهو الذي يقال له: عمرو بن برق، وقد تكلم فيه غير واحد”. والأوداج: العروق المحيطة بالعنق التي تقطع حالة الذبح، واحدها ودج، ضعفه الألباني في إرواء الغليل، (٢٥٣١).

([5]) أخرجه الإمام أحمد في المسند ج1 ص289، صحح إسناده أحمد شاكر في تخريج المسند لشاكر، (٤/٢١٥).

([6]) أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب النحر والذبح، فتح الباري ج9 ص556. و(اللبّة) بفتح اللام هي الثغرة بين الترقوتين أسفل العنق.

([7]) أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، من حديث رافع بن خديج-رضي الله عنه-، باب ما ندَّ من البهائم فهو بمنزلة الوحش، برقم (5509)، وقال: “وقال ابن جريج عن عطاء: والذبح: قطع الأوداج”، فتح الباري ج9 ص556، باب النحر والذبح، رقم الباب (24)، وأخرج أبو داود مثله في كتاب الأضاحي، باب في الذبيحة بالمروة، برقم (2823)، سنن أبي داود ج3 ص102.

([8]) سورة المائدة من الآية 3.

([9]) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج2 ص216 وما بعدها، وج6 ص48-49.

([10]) سورة الأنعام الآية 118.

([11]) قال الحافظ بن حجر في فتح الباري ج9 ص539: “وصّله الدارقطني من طريق شعبة عن مغيرة عن إبراهيم في المسلم يذبح وينسى التسمية، قال: لا بأس به.. وذكره مالك بلاغاً عن ابن عباس، وأخرجه الدارقطني من وجه آخر عن ابن عباس مرفوعاً”، قال النووي في المجموع (٨/٤١٢): مرسل.

([12]) أخرجه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب التسمية على الذبيحة، ومن ترك متعمداً، برقم 5498، فتح الباري ج9 ص538-539، وانظر في مسائل الذبح في المذهب الحنفي: حاشية رد المحتار لابن عابدين ج6 ص293-296، وكتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ج5 ص40-42، وفي مذهب الإمام مالك: بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد ج1 ص439-440، وفي مذهب الإمام الشافعي: الحاوي الكبير للماوردي ج19 ص58-60، وقليوبي وعميرة ج4 ص239-244، وفي مذهب الإمام أحمد: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي ج10 ص385-399، وكشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ج6 ص204-208، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج2 ص216-217، ج6 ص48-49، وفي مذهب الإمام بن حزم: المحلى بالآثار ج6 ص122-150.

([13]) سورة المائدة من الآية 5.

([14]) سورة البقرة من الآية 173.

([15]) سورة المائدة من الآية 3.

([16]) سورة الأنعام من الآية 145.

([17])أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام، برقم (2236)، فتح الباري ج4 ص495.

([18]) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب قتل الخنزير، ومسلم في الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم حاكماً بشريعة نبيّنا محمد-ﷺ-، وأخرجه الترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في نزول عيسى ابن مريم-عليه السلام-، برقم (2233)، سنن الترمذي ج4 ص439.

([19]) انظر: كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ج1 ص630-64، وبداية المجتهد ص467، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج2 ص116، والمجموع شرح المهذب ج9 ص3، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى ج6 ص321، وكشاف القناع ج1 ص181-182، ج6 ص190، والمحلى بالآثار ج6 ص55-58، وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص296-297، وتفسير القرآن العظيم ج1 ص195، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج2 ص222-223، والحكم الشرعي لاستعمال الخنزير في الهندسة الوراثية، د. نور الدين الخادمي، بحث منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد 46، محرم-صفر-ربيع الأول 1421هـ، ص4-53.