ومفاد المسألة سؤال من الأخ/ عبد الباسط.. ك، من المدينة المنورة يقول فيه: (من المعروف أن بعض الفنادق حول المسجد الحرام هيئ في داخل بعض أدوارها أماكن لأداء الصلوات فيها، فما حكم أداء صلاة الفريضة في تلك المصليات اقتداء بإمام المسجد الحرام؟).

حكم أداء صلاة الفريضة في الفنادق والمصليات المحيطة بالحرم اقتداء بإمام المسجد الحرام

ولعل سؤال الأخ السائل يمتد ليشمل حكم أداء صلاة الفريضة في الفنادق والنزل والدور والمحلات المجاورة للمساجد سواء المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو غيرهما من المساجد؛ لأن من المعلوم أن المساجد قد تكون محاطة بدور ومحلات.

وقد تطرق الفقهاء -رحمهم الله- إلى هذه المسألة:

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: يجب اتحاد مكان المأموم والإمام لكون الاقتداء يقتضي التبعية في الصلاة، والمكان من لوازم الصلاة فيقتضي التبعية في المكان ضرورة. وعند اختلاف المكان تنعدم التبعية في المكان فتنعدم التبعية في الصلاة؛ لأنعدام لازمها، ولأن اختلاف المكان يوجب خفاء حال الإمام على المقتدي فتتعذر عليه المتابعة والأصل في هذا ما روي عن عمر -رضي الله عنه- موقوفًا عليه أنه قال: (من كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق أو صف من النساء فلا صلاة له). وعلى هذا إذا أمكن الاقتداء بالإمام جاز ولو كان بينه وبين المأموم حائط، وروي عن أبي حنيفة أنه لا يجزئه([1]).

وعند الإمام مالك: لو أن دورًا محجورًا عليها صلى فيها قوم بصلاة الإمام (في غير الجمعة) فصلاتهم تامة إذا كان لتلك الدور كوى أو مقاصير يرون منها ما يصنع الناس والإمام فيركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، وإن لم يكن لها كوى ولا مقاصير يرون منها ما تصنع الناس والإمام إلا أنهم يسمعون الإمام، فيركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، فذلك جائز، ودليل هذا ما رواه محمد بن عبد الرحمن أن أزواج النبي ﷺ كن يصلين في بيوتهن بصلاة أهل المسجد، وبمثل هذا أيضًا قال عمر بن الخطاب وأبو هريرة وعمر بن عبد العزيز وزيد بن أسلم وربيعة إلا أن عمر بن الخطاب قال: ما لم تكن جمعة([2]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: يشترط لصحة صلاة المأموم مع الإمام ثلاثة شروط: أولها: العلم بصلاة الإمام، وللعلم بها أربعة أوجه هي: مشاهدته أو سماع تكبيره أو مشاهدة من خلفه أو سماع تكبيرهم. والشرط الثاني: القرب، وأبعده على وجه التقريب بثلاثمائة ذراع أو نحوها. والشرط الثالث: ألا يكون بينهما حائل، فإن حال بينهما غير سور المسجد من جدار أو غيره بطلت صلاة المأموم وإن حال بينهما سور المسجد فقد ذهب أبو إسحاق المروزي إلى جواز صلاته، وإن كان ذلك غير حائل يمنع من صحتها؛ لأن سور المسجد من مصالحه، وبعض من أبعاضه فصار بمثابة السواري التي تحول بين من في المسجد وبين الإمام، وذلك لا يمنع من صحة الصلاة. وقال عامة الأصحاب أن ذلك حائل يمنع من صحة الصلاة وكذلك أبوابه المغلقة سواء كانت مصمتة أو مشبكة لقول عائشة -رضي الله عنها- لنسوة صلين في سترة: لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب، ولم يكن بين منزلها والمسجد إلا سور المسجد؛ لأن باب منزلها كان ينفذ إليه([3]).

وفي مذهب الإمام أحمد: إن كان المأموم يرى الإمام أو من وراءه وكانا في المسجد صحت صلاة المأموم؛ لأن المسجد بني للجماعة فكل من حصل فيه حصل في محل الجماعة بخلاف خارج المسجد فإنه ليس معدًا للإجتماع فيه. وإن كان الإمام والمأموم خارجين عن المسجد أو كان المأموم وحده خارجًا عن المسجد الذي به الإمام وأمكن الاقتداء صحت صلاة المأموم إن رأى الإمام أو بعض من وراءه ولو كانت جمعة في دار أو دكان، وذلك؛ لأنتفاء المفسد ووجود المقتضي للصحة، وهو الرؤية وإمكان الاقتداء ولو كانت الرؤية مما لا يمكن الاستطراق منه كشباك ونحوه كطاق صغيرة فتصح صلاة المأموم وإن لم ير الإمام أو بعض من وراءه والحالة هذه؛ أي وهما خارج المسجد أو المأموم وحده خارجه لم يصح اقتداؤه به ولو سمع التكبير لقول عائشة -رضي الله عنها- المشار إليه آنفًا([4]).

قلت: ومع تباين آراء الفقهاء -رحمهم الله- في هذه المسألة حيث أخذ كل منهم بدليل من قول أو واقعة أو اجتهاد، ومع تيسير بعضهم في هذه المسألة بحكم وقاع زمانهم فإن من المهم فيها العلم -أولًا- بالحكم من وجود المساجد والعلم -ثانيًا- بالحكم من الصلاة فيها ثم النظر إلى الصلاة في الفنادق والنزل والدور المجاورة لها، وما إذا كان يتحقق فيها حضور المسجد وفضل الجماعة.

فأما العلم بحكم المساجد فإنها بيوت لعبادة الله وحده لا شريك له لذلك فهي أحب الأماكن والبقاع إليه، وفي هذا قال عزوجل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِين}([5]). وقال عزوجل: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال}([6])، {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار}([7]). وقال جل ثناؤه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}([8]).

وقد ورد في السنة أحاديث كثيرة في فضل المساجد، وما يجب من تطهيرها ولزومها؛ لأنتظار الصلاة فيها، واحترام حرمتها، فعن عثمان ابن عفان -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: (من بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتًا في الجنة)([9]). وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: (إن هذا المسجد لا يبال فيه، وإنما بني لذكر الله والصلاة)([10]). وعن وائلة بن الأسقع -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: (جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراركم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم. واتخذوا على أبوابها المطاهر. وجَمِّرُوها([11]) في الجُمَع)([12]).

وللفقهاء أقوال عدة في احترام المساجد وتطهيرها وصيانتها من العبث مما لا يتسع المقام لذكره.

والمسجد – كما يدل عليه الحال – إما أن يكون محاطًا بسور أو جدار -كما هو حال المساجد في البلدان قديمًا وحديثًا- لكي تقام فيه الصلوات الخمس، أو يكون غير محاط بسور أو جدار كحال المصليات في الفلوات وخارج العمران التي تعد لصلاة العيدين؛  فالمسجد إذًا مكان واحد لا يتجزأ، فلا يمكن النظر إلى الدار أو النزل أو الفندق أو المحل المجاور له، والمنفصل عنه حسًا ومعنى، على أنه جزء منه وله خصائصه وفضله.

فأما العلم بحكم الصلاة في المساجد؛ فالأصل في دين الإسلام الأمر بالاجتماع، والنهي عن التفرق والاختلاف، وهذا الأمر وهذا النهي أرادهما الله لمنفعة المخاطبين؛ لأنه أعلم بأحوالهم ومصالحهم، وقد دل على هذا الكتاب والسنة والمعقول.

فأما الكتاب فقول الله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}([13]). وقوله عز وجل: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}([14]). فاقتضى هذا الأمر في الآية الأولى الإخبار والعلم أن الأمة واحدة، واقتضى في الآية الثانية الأمر بأن تكون الدعوة من خلال أمة لما في ذلك من أسباب نجاح الدعوة وانتشارها.

وبعد هذا جاء النهي بعدم التفرق والاختلاف لما فيه من فساد الأحوال كما حل بالذين تفرقوا من بعد ما بلغتهم الآيات، وفي هذا قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم}([15]).

وأما السنة فقد أكد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الجماعة وبين أن يد الله معها في قوله -عليه الصلاة والسلام- (يد الله مع الجماعة)([16]).

كما بين عليه أفضل الصلاة والسلام أن الاجتماع مدعاة للصواب في قوله: (قد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالكٌ) الحديث([17]).

وأما المعقول: فقد دلت الوقائع في كل أمر أن للاجتماع فوائد ومنافع منها ما هو محسوس بالمعنى، ومنها ما هو محسوس بالفعل، فالذين يجتمعون مثلًا لتدبر أمر أو فعل مّا يحس كل منهم بمسؤليته تجاهه فالإحساس بهذه الصورة إحساس بالمعنى، ثم ينقلب هذا الإحساس إلى إحساس بالفعل عندما يجتمع هؤلاء لتنفيذ الأمر أو الفعل، وغالبًا ما يتحقق المراد منه لكون الاجتماع بني على رأي، ومشاورة بعد تدبر أحس فيه كل واحد من أصحابه بمعناه فيه.

والأصل في الإسلام إحياء المساجد بإقامة الصلاة فيها؛ فاقتضى هذا أن صلاة الجماعة واجبة على المكلف وجوب عين لا يسقط إلا بعذر، والدلائل على ذلك واضحة من الكتاب، والسنة، والمأثور:

 فأما الكتاب: فمنه قول الله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين}([18]).

وهذا أمر بيّنٌ في أداء الصلاة في جماعة؛ ذلك أن الأمر بالركوع جاء بصيغة الجمع، لأدائها مع الراكعين، وهؤلاء لا يكونون إلا جماعة فاقتضى ذلك استثناء المنفرد بصلاته منهم.

ومنه قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ}([19]). ففي هذا وصف لمن يعمر المساجد عمارة مادية ببنائها وصيانتها وتطهيرها، ووصف لمن يعمرها عمارة حسية بإقامة الصلاة فيها، فمن داوم على ترك الصلاة مع الجماعة خرج من الوصف الوارد في الآية للمؤمنين. ومن الأدلة في كتاب الله قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال}([20])، {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار} ([21]).

وفي هذا أيضًا وصف للذين يسبحون في المساجد في الليل والنهار، وهم الرجال الذين لا تلهيهم أمور الدنيا، فمن داوم على ترك الجماعة خرج من الوصف الوارد في الآية.

ومن الأدلة من كتاب الله ما ورد في صلاة الخوف في قوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ}([22]). وفي هذا بيان وتوكيد أن صلاة الجماعة واجبة رغم ما قد يواجهه المصلون من خوف وفزع، فإذا كان هذا هو الحال في وقت الحرب والخوف فهو في حال الأمن والسلم أولى وآكد.

أما السنة: فالأحاديث في وجوب صلاة الجماعة كثيرة منها: قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: (لقد هممت أن آمر رجلًا يصلِّي بالناس ثم أنْطَلِقُ مَعِي برجالٍ معهم حُزَمٌ من حَطَبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأحرِّق عليهم بيوتهم بالنار)([23]). وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)([24]). وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (لو صليتُم في بيوتكم لضللتم)([25]). وما ذكره علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه- موقوفًا عليه: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)([26]).

أما المأثور: فإن رسول الله ﷺ حين هاجر إلى المدينة أقام الصلاة في جماعة مع أن بيته ملاصق للمسجد، ولم يتخلف عنها إلا حين اشتد عليه المرض الذي مات منه، فهو ﷺ بهذا الأسوة الحسنة لأمته عملًا بقول الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ}([27]). وقد سار على منهجه خلفاؤه وصحابته رضوان الله عليهم، ومن تبعهم بإحسان، وفي هذا قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: )من سَرَّه أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنَّ فإنَّ الله شرع لنبيكم ﷺ سُنَنَ الهدى، وإنَّهنَّ من سنن الهدى، ولو أنّكم لو صلَّيتُم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلِّف في بيته، لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتُم، وما من رجل يتطهّر فيحسن الطهور ثم يَعْمدُ إلى مسجدٍ من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحُّط عنه سيئة لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم نفاقه ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) ([28])،([29]).

وصلاة الجماعة تقتضي حكمًا السعي إليها استجابة لقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}([30]). والأمر بالسعي (أي المشي إليها)، أمر وجوب وصلاة الجماعة واجبة عينًا -كما ذكر- على جار المسجد وغيره ما لم يكن له عذر فاقتضى هذا أن من يصلي في الفندق وما في حكمه من الأماكن والمحلات والدور المجاورة للمسجد يفقد حكم الوجود فيه لفقده حكم السعي إلى الصلاة كما يفقد حضور صلاة الجماعة وفضلها ما دام أن هذه الفنادق والأماكن والدور والمحلات منفصلة عن المسجد وليست جزءًا منه.

والحكم واحد سواء كان من يصلي منفردًا أو مع غيره؛ لأنه لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد.

وخلاصة المسألة: أن آراء الفقهاء قد تباينت في هذه المسألة حيث أخذ كل منهم بدليل من قول، أو واقعة، أو اجتهاد. ومن المهم في هذه المسألة العلم أولًا: أن المساجد بيوت لعبادة الله تعالى وهي أحب البقاع إليه. والعلم ثانيًا: أن الأصل في الإسلام إحيائها بإقامة الصلاة فيها؛ والمسجد إما أن يكون محاطًا بسور أو جدار كما هو الحال في البلدان قديمًا وحديثًا لكي تقام فيه الصلوات الخمس، وإما أن يكون غير محاط بسور أو جدار كحال المصليات في الفلوات وخارج العمران التي تعد لصلاة العيدين؛ فالمسجد إذًا مكان واحد لا يتجزأ فلا يمكن النظر إلى الدار أو النزل أو الفندق أو المحل المجاور له والمنفصل عنه حسًا ومعنى على أنه جزء منه وله خصائصه وفضله.

وصلاة الجماعة تقتضي حكمًا السعي إليها استجابة لقول الله عزوجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}. والأمر بالسعي (أي المشي إليها) أمر وجوب وصلاة الجماعة واجبة عينًا علي جار المسجد وغيره ما لم يكن له عذر.

فاقتضى هذا أن من يصلي في الفنادق وما في حكمها من الأماكن والمحال والدور المجاورة للمسجد يفقد حكم الوجود فيه، لفقده حكم السعي إلى الصلاة فيه كما يفقد حضور صلاة الجماعة وفضلها، مادام أن هذه الأماكن منفصلة عن المسجد وليست جزءًا منه، والحكم واحد سواء كان من يصلي فيها منفردًا أو مع غيره؛ لأنه لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد.

والله تعالى أعلم.

 

([1]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام الكاساني ج1 ص145-146، وحاشية رد المحتار لابن عابدين ج1 ص584-588، والبناية شرح الهداية لبدر الدين العيني ج2 ص353-354، والفتاوى الهندية للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند ج1 ص96-98.

شرح الوجيز للرافعي مع التلخيص الحبير لابن حجر ج4 ص302-309.

([2]) المدونة الكبرى للإمام مالك رواية الإمام سحنون ج1 ص83، والخرشي على مختصر سيدي خليل مع حاشية الشيخ العدوي ج1 ص36-39، وحاشية الدسوقي للدسوقي على الشرح الكبير للدردير ج1 ص331-338.

([3]) الحاوي الكبير للماوردي تحقيق وإخراج د. محمود مطرجي وآخرون ج2 ص433-434. والمجموع شرح المهذب للإمام النووي مع فتح العزيز

([4])كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ص491-492، والإقناع لطالب الانتفاع للحجاوي ج1 ص266-267، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي ج2 ص293-297، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ج23 ص407-412.

([5]) سورة التوبة الآية 18.

([6]) سورة النور الآية 36.

([7]) سورة النور الآية 37.

([8]) سورة الجن الآية 18.

([9]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل بناء المساجد، صحيح مسلم بشرح النووي ج5 ص14.

([10]) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة وسنتها، باب الأرض يصيبها البول كيف تغسل برقم (529)، سنن ابن ماجة ج1 ص176، حسنه الألباني في صحيح الجامع، (٢٢٥٢).

([11]) جمروها: أي بخروها.

([12]) أخرجه ابن ماجة في كتاب المساجد والجماعات، باب ما يكره في المساجد، برقم (750)، سنن ابن ماجة ج1 ص247، ضعفه الألباني في ضعيف الجامع، (٢٦٣٦).

([13]) سورة المؤمنون من الآية 52.

([14]) سورة آل عمران الآية 104.

([15]) سورة آل عمران الآية 105.

([16]) أخرجه الترمذي في كتاب الفتن، باب لزوم الجماعة، برقم (2166)، سنن الترمذي ج4 ص405

([17]) أخرجه الإمام أحمد في المسند ج4 ص166، وابن ماجة في المقدمة باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، برقم (43). سنن ابن ماجة ج1 ص16، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (٦٠٧٨).

([18]) سورة البقرة الآية 43.

([19]) سورة التوبة من الآية 18.

([20]) سورة النور الآية 36.

([21]) سورة النور الآية 37.

([22]) سورة النساء من الآية 102

([23]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة والتشديد في التخلف عنها، صحيح مسلم بشرح النووي ج5 ص153-154.

([24]) أخرجه ابن ماجة في كتاب المساجد والجماعات، باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، برقم (793)، سنن ابن ماجة ج1 ص260، صححه الألباني في صحيح الترغيب، (٤٢٦).

([25]) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب صلاة الجماعة من سنن الهدى، برقم (654)، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم لمحمد بن خليفة الأبي ج2 ص591-592.

([26]) أخرجه البيهقي في كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة من غير عذر، موقوفاً، وقال: (والمرفوع ضعيف)، والدارقطني في سننه ج1 ص420، موقوفاً، وفي إسناده الحارث الأعور ضعيف.

([27]) سورة الحشر من الآية 7.

([28]) صحيح مسلم بشرح النووي ج5 ص156-157، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة والتشديد في التخلف عنها، وسنن النسائي ج2 ص108-109 كتاب الإمامة، باب المحافظة على الصلوات حيث ينادى بهنّ.

([29]) انظر في هذا رسالة في فقه الصلاة: للدكتور عبد الرحمن بن حسن النفيسه، (نشرت مع العدد الثالث والخمسون من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، شوال – ذو القعدة – ذو الحجة 1422هـ، ص55 وما بعدها).

([30]) سورة الجمعة من الآية 9.