والجواب: يتناول أولًا حكم الإخصاء والوسم، ثم حكم زرع البويضات في رحم أنثى الحيوان.
الإخصاء: قطع العضو التناسلي للحيوان؛ لمنعه من الإنجاب، فيقال حیوان مخصيٌّ أي: مقطوع عضوه التناسلي.
والأصل في الإسلام عدم تعذيب الحـيـوان، أو تغيير خلقه، فقد خلقه الله لمنفعة الإنسان، فاقتضى ذلك تحريم استعمـاله في غير هذه المنفعة، قال -تعالى-: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُون * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُون * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [النحل:5-7].
وقد أخبر الله عن تضليل إبليس لاتباعه بقوله: {وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ} [النساء:119]، ومفاد ذلك أنهم كانوا في الجاهلية يشقون آذان الناقة إذا ولدت خمسة أبطن، وجاء الخامس منها ذكرًا، فيحرمون على أنفسهم الانتفاع بها، ويتركونها سائبة لا ترد عن مرعى ولا ماء بحجة أن هـذا قربة للأصنام والأوثان طاعة لإبليس، ولهذا قال -تعالى- في نهاية الآية: {وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًار* يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا}[النساء:119-120].
وقد أخذ بعض الصحابة من هذا كراهة إخصاء الحيوان، فقد روي أن ابن عباس كرهه، وقال: فيه نزلت: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ}. كما روي أن أنس بن مالك كرهه -أيضًا- ؛ لأنه من تغيير خلق الله. وقال آخرون بكراهته لهذا المعنى، وروي عن عائشة -رضي الله عنها- أن الخصاء مثلة.
غير أن جمهـورًا من العلماء رخص في خصاء الحيوان إذا قصد منه منفعة كتسمينه أو نحو ذلك:
ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: يجوز الخصاء والتضحية بالمخصي؛ لأن لحمه أطيب، وقالوا: إن ما نقل عن عائشة -رضي الله عنها- بأنه مثلة لم يثبت([1]).
وفي مذهب الإمام مالك: يـباح الخـصـاء في الغنم؛ لأنه يطيب لحمها، ولا يجوز خصـاء الخيل والإبل، أما الخيل فلكونه يضعفها في الغزو، وهو المقصود الأعظم منها، كما أن الخصاء يقطع نسلها، وأما الإبل فلما روي أن رسول الله -ﷺ- نهى عن خصاء الجمل([2]).
وخالف في ذلك أبو الوليد بن رشد، فقـال: لا بأس بخصاء الغنم والإبل والبقر؛ لما في ذلك من إصلاح لحومها، وليس في هذا شيء من المثلة بالحيوان عبثًا لغير وجه صلاح ومنفعة([3]).
وفي مذهب الإمـام أحمد: لا بأس بالخصـاء سواء كان بالقطع أو السل؛ لأنه إذهاب عضو غير مستطاب، بل يطيب اللحم بزواله ويسمن([4])، وكره أحـمد وبعض الأصحاب خصـاء الغنم وغيرها إلا خوف غضاضة([5]).
واسـتـدل الفقهاء على جواز الإخـصـاء بـأن رسول الله -ﷺ- ضحی بكبشين أملحين موجوءين خصيين، وأنه -عليه الصلاة والسلام- إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين، فيذبح أحدهما عن أمته من شهد الله بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، وذبح الآخر عن محمد وآل محمد([6]).
أما الوسم فالمقصود منه وضع علامة بالكي في البهيمة؛ لتمييزها من غيرها؛ لأن الغنم والإبل والبقر تتشابه في أشكالها وأحجامها، فكان الوسم دلالة على تبعية هذه أو تلك لأصحابها، وقد دلت السنة النبوية على جواز الوسم، فقد روى شعبة عن هشام بن زيد قال: سمعت أنسا يحدث أن أمه حين ولدته انطلقوا بالصبي إلى النبي -ﷺ- يحنكه، قال: فإذا هو -عليه الصلاة والسلام- في مربد يسم غنمًا، قال شعبة: وأكثر علمي أنه قال: في آذانها([7]).
وتوسم الغنم في آذانها، والإبل والبقر في أصـول أفخاذها، ويحرم في الوجه أو في أي جزء يكون فيه تعذيب للحيوان، فقد نهى رسول الله -ﷺ- عن الوسم في الوجه؛ لما رواه جابر أنه -عليه الصلاة والسلام- مر عليه حمار قد وُسِمَ في وجهه، فقال: «لعن الله الذي وسمه»([8])، وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما -أن رسول الله -ﷺ- رأى حمارًا موسوم الوجه، فأنكر ذلك، قال: «فوالله لا أسمه إلا في أقصى شيء من الوجه»، فأمر بـحمـار له، فكوى في جاعرتيه، فهو أول من كوى الجاعرتين([9]).
وقد رخص الفقهاء في الوسم استدلالًا بما روي عن رسول الله -ﷺ-، وقالوا بتحريمه إذا كان بقصد المثلة، أو إعماله في اللحم بما يؤدي إلى تعذيب الحيوان([10]).
قلت: ويتبين مما سبق جواز خصي الحيوان ووسمه إذا كان في ذلك منفعة، مع تحريم التمثيل به أو تعذيبه.
أما سؤال الأخ السائل عن زرع عدد من البويضات في رحم أنثى الحيوان فهذا الزرع من النوازل المعاصرة بحكم مـا طرأ من تقدم في علم الحيوان (Zoology) أسـوة بالعلوم الأخـرى، مثل تلقيح أنواع من النباتات لزيادة إنتاجها أو الإكثار منه، ولما كان الحيوان قد خلق لمنفعة الإنسان لقول الله -عز وجل-: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُون} فإن كل ما يؤدي إلى زيادة المنفعة منه يعد مباحًا قياسًا على الخِصَاءِ والوسم، فإذا كانت أنثي الحيوان تنسل مثلًا نسلًا واحدًا في السنة، وزراعة عدد من البويضات في رحمها يجعلها تنسل نسلين أو ثلاثة فهذا مباح؛ لما فيه من زيادة منفعة الإنسان، ولكن هذا مشروط بأربعة شروط:
أولها: أن يكون في زرع البويضات منفعة ظاهرة.
وثانيها: ألا يؤدي ذلك إلى الإضرار بالأنثي، كما لو كانت زيادة النسل تؤذيها أذى ظاهرًا في أثناء الحمل أو عند الولادة.
وثالث الشروط: أن تكون البويضات من جنسها، فلا يجوز زرع بويضات الفرس مثلًا في أنثي البقر، ولا يجوز زرع بويضات البقر في الغنم وهكذا.
ورابعها: ألا يكون في النسل المنتج بواسطة هذا الزرع أخطار صحية للإنسان عندما ينتفع به.
وخلاصة المسألة: أن خصاء البهائم ووسمها جائز ما لم يكن فيه تمثيل أو تعذيب لها، وقد دلت السنة النبوية على هذا الجواز.
أما زرع البويضات في رحم أنثي الحيوان لتكثير نسلها فهو من النوازل المعاصرة، ولما كان الحيوان قد خلقه الله لمنفعة الإنسان، فإن كل ما يؤدي إلى زيادة هذه المنفعة يعد مباحًا قياسًا على جواز الخصاء والـوسـم، ولكن هذا مشروط بأربعة شروط، هي: أن يكون في زيادة نسل الحيوان منفعة ظاهرة، وألا يؤدي ذلك إلى الإضرار بها، وألا يـكـون فـيـه أخطار صحية، وأن تكون البويضات التي تزرع في الأنثى من جنسها. والله أعلم.
([1]) حاشية الطحطاوي على الدر المختار ج4 ص١٦٤، وانظر: نتائج الافكار في كشف الرموز والأسرار لقاضي زاده ج10 ص36، وكشف الحقائق شرح كنز الدقائق للأفغاني ج۲ ص٢٢٦-٢٢٧، وحاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدین ج6 ص٣٢٣، والمبسوط للسرخسي ج۱۲ ص۱۱.
([2]) عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شـاس ج3 ص536، وانظر: شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل ج۳ ص۲۳۷، والمعونة على مذهب عالم المدينة للبغدادي ج3 ص١٧٣٦.
([3]) البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسلك المستخرجة ج۱۸ ص۳۱2- ۳۱3.
([4]) المبدع في شرح المقنع لابن مفلح ج۳ ص۲۸۱.
([5]) الفروع لابن مفلح ج5 ص ٦١٠، وانظر: نيل المأرب بشـرح دليل الطالب لعبد القادر بن عمر التغلبي ج۲ ص٢٣٤.
([6]) أخرجة البيهقي في السن الكبرى، كتاب الضحايا، باب الرجل يضحي عن نفسه وعن أهل بیته، ج9 ص۲6۷، صححه الألباني في إرواء الغليل، (١١٤٧).
([7]) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب جواز رسم الحيوان غير الآدمي في غير الوجة، وندبه في نعم الزكاة والجزية، برقم (۱۰۹)، صحیح مسلم مع شرحه إكمال الجمال المعلم للـوشتاني الأبي ج7 ص ۲۷۰- ۲۷۱، وانظر: بذل المجهود في حل أبي داود للسهارنفوري ج12ص60.
([8]) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه، برقم (۱۰۸)، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للـوشتاني الأبي ج7 ص269.
([9]) أخرجه مسلم في كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه ووسمه فيه، برقم (۱۰۷)، صحیح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للـوشتاني الأبي ج 7ص ٢٦٩، وانظر: بذل المجهود ج ۱۲ ص6۱.
([10]) انظر في هذا المعنى: المعونة في مذهب عالم المدينة مرجع سابق، وكتاب الفروع لابن مفلح ج5 ص6۱۰.