ومفاد المسألة سؤال من الأخ ب… ل من الجزائر يسأل فيه عن حكم تأخير وقت الصلاة إذا كان ذلك بسبب العمل.

حكم تأخير الصلاة عن وقتها بسبب العمل

والجواب: أن الصلوات الخمس مؤقتة بأوقات محدودة، والأصل في هذا القرآن والسنة:

أما القرآن: فقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}([1]). وقوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا}([2])، وقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ}([3])، وفي هذه الآية جمع للصلوات الخمس، فصلاة الفجر تؤدى في أحد طرفي النهار، وصلاة الظهر والعصر تؤديان في الطرف الآخر، والمغرب والعشاء تؤديان في زلف من الليل أي ساعاته([4]).

وأما السنة: فما رواه عبد الله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال: (وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان)([5]).

وما رواه أيضًا عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي ﷺ قال: (أمَّني جبريل عليه السلام عند البيت فصلى بي الظهر حين زالت الشمس، فكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى -يعني المغرب- حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر ثم التفت إليّ فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك والوقت ما بين هذين الوقتين)([6]).

وعلى هذا فوقت وجوب صلاة الظهر من زوال الشمس، وآخر وقتها عندما يصير ظل كل شيء مثله، والأوجب أداؤها في أول الوقت؛ لأن الله أمر بذلك في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}([7]) أي زوالها، والأمر هنا يقتضي الإلزام، ولأنه تعالى يرضى عن المبادرة بالعبادة في أوقاتها، كما دل على ذلك قول رسول الله ﷺ حينما سُئِل عن أي العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها)([8]).

وصلاة العصر هي الصلاة الوسطى التي خصها الله بالاسم في أمره بالمحافظة على الصلوات عمومًا في قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى}([9]). وقال فيها رسول الله ﷺ: (الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)([10])، ووقتها من خروج وقت الظهر إلى أن تصفر الشمس، لحديث عبدالله بن عمر أن النبي ﷺ قال: (وقت العصر ما لم تصفر الشمس)([11])، والمقصود بالاصفرار آخر وقتها لمن كان له عذر. أما من لم يكن له عذر فيجب عليه أداؤها في أول الوقت. ويدل على عدم تأخيرها إلى اصفرار الشمس مارواه أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (تلك صلاة المنافقين، تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا حضرت الشمس فكانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا)([12]).

ووقت صلاة المغرب من غروب الشمس ليس في ذلك خلاف. والتبكير بها أفضل إلا ليلة المزدلفة لمن كان حاجًا، وفي ذلك قال رسول الله ﷺ: (لا تزال أمتي بخير أو قال على الفطرة مالم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم)([13])، وقال -عليه الصلاة والسلام-: (إن للصلاة أولًا وآخرًا..، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق)([14]).

ووقت صلاة العشاء من غياب الشفق وهو الحمرة، وقيل هو البياض. وقد روت عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ اعتم بالعشاء حتى ناداه عمر بالصلاة نام النساء والصبيان فخرج رسول الله ﷺ فقال: (ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم)([15]). وآخر وقتها إلى ثلث الليل بدليل ما روته عائشة أن رسول الله ﷺ قال: (صلوا فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل)([16]). وقيل إن آخر وقتها نصف الليل لما رواه أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: (آخر صلاة العشاء إلى نصف الليل)([17]).

أما وقت صلاة الصبح فمن طلوع الفجر الثاني إلى ما قبل أن تطلع الشمس، لقول رسول الله ﷺ: (ووقت الفجر ما لم تطلع الشمس)، (ومن أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها)([18]).

قلت: ولم تعد مواعيد الصلاة ومواقيتها خافية، سواء في حالات الغيم أو في الأماكن التي لا تطلع فيها الشمس إلا قليلًا، أو التي لا تطلع فيها البتة وذلك بحكم ما تيسر للإنسان المعاصر من معرفة حساب الوقت في اليوم والليلة، وما تيسر له كذلك من آلات تبين له الوقت أينما كان.

ومع اختلاف بعض الروايات في وقت هذه الفريضة أو تلك -كالقول مثلًا بأن آخر وقت العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه-، فإن التبكير بالصلاة في أول وقتها مطلب شرعي لسببين:

أولهما: أن الله عز وجل مدح المصلين الذين يداومون على صلاتهم ويحافظون عليها لا تلهيهم عنها تجارة ولا بيع ولا خلافه لقوله تعالى: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار}([19])، {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ}([20])، وقوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُون}([21])، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُون}([22])، والمداومة والمحافظة على الصلاة وعدم اللهو عنها، يقتضي حكمًا الالتزام بها سواء في أدائها لكونها ركنًا من أركان الإسلام، أو أدائها في أوقاتها المحددة بنص القرآن والسنة؛ لأنه لا معنى لأدائها مع إضاعة وقتها. وقد قيل للصحابي عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآنّ: {عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُون}، و{عَلَى صَلاَتِهِمْ دَائِمُون}، و{عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُون}([23])، فقال: “على مواقيتها. قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك. قال: ذلك الكفر”([24]).

السبب الثاني: أن الله عز وجل ذم وتوعد الذين يسهون ويلهون عن الصلاة، فقال عز وجل: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}([25])، وقال عزوجل: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّين}([26]) {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُون}([27])، وفي الآية الأولى بيان وإخبار عن أناس يخالفون ما كان عليه السلف الصالح فيضيعون الصلاة، ومن ضياعها السهو عنها، والتهاون في أدائها في أوقاتها، وقد روي أن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- لما قرأ هذه الآية: {فّخّلّفّ مٌنً بّعًدٌهٌمً خّلًفِ أّضّاعٍوا الصَّلاةّ..} قال: لم تكن إضاعتها تركها ولكن أضاعوا الوقت([28]). وقال مسروق: لا يحافظ أحد على الصلوات الخمس فيكتب من الغافلين وفي إفراطهن  الهلكة، وإفراطهن إضاعتهن عن وقتهن([29]). ويقول التابعي الجليل الزهري: (دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلتُ: ما يبكيك؟ قال: لا أعرف شيئًا مما أدركتُ إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيّعت)([30]).

وعلى هذا فإن الجواب عن سؤال الأخ السائل هو وجوب المحافظة على الصلاة في أوقاتها المحددة، فإن كان التأخير لعذر مشروع يخص المسلم كالسفر أو المرض فهذا يحكمه هذا العذر. وإن كان التأخير لعذر عام، كاشتداد الحر في وقت صلاة الظهر مثلًا، فهذا يحكمه أيضًا هذا العذر، لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم)([31]). أما إن كان التأخير لمجرد العمل فهذا لا يعد عذرًا؛ لأن المسلم إن كان يعمل في بلد مسلم، ففي هذا البلد تقام الصلاة في أوقاتها، فإن كان عمله قريبًا من المسجد وجب عليه الذهاب إليه، وإن كان بعيدًا عنه جاز له أن يصليها مع إخوانه في مصلى في محل العمل. وإن كان المسلم يعمل في بلد غير مسلم فلا أحد يمنعه من الصلاة في وقتها، خاصة وأن وقت أداء الصلاة لا يستغرق سوى دقائق معدودات، وفي محافظته عليها في مثل هذا البلد أجر عظيم؛ لأنه يعطي بذلك مثلًا للمسلم الصالح في المحافظة على دينه في بلاد الغربة، كما أن محافظته على هذا الدين وعموده الصلاة يعد بمثابة الدعوة إلى الله بين غير المسلمين.

وخلاصة المسألة: أن الصلوات الخمس مؤقتة بأوقات محددة بنص القرآن والسنة، وأداؤها في هذه الأوقات أمر شرعي لسببين:

 الأول: أن الله مدح في كتابه العزيز المصلين الذين يداومون على صلاتهم ويحافظون عليها لا تلهيهم عنها تجارة، أو بيع، أو خلافه. والمداومة والمحافظة على الصلاة، وعدم اللهو والسهو عنها يقتضي حكمًا الالتزام بها، سواء في أدائها لكونها ركنًا من أركان الإسلام، أو أدائها في أوقاتها المحددة بنص القرآن والسنة؛ لأنه لا معنى لأدائها مع إضاعة وقتها.

السبب الثاني: أن الله عز وجل قد ذم وتوعد في كتابه العزيز الذين يضيعون الصلاة ويسهون ويلهون عنها، وهذا يشمل عدم أدائها في أوقاتها المحددة.

وعلى هذا فإن الجواب عن سؤال الأخ السائل هو وجوب المحافظة على الصلاة في أوقاتها المحددة، فإن كان التأخير لعذر مشروع خاص بالمسلم كالسفر أو المرض فهذا يحكمه هذا العذر. وإن كان التأخير لعذر عام كشدة الحر مثلًا في وقت صلاة الظهر مثلًا فهذا يحكمه هذا العذر. أما إن كان التأخير لمجرد العمل فهذا لا يعد عذرًا؛ لأن المسلم إن كان يعمل في بلد مسلم فالصلاة فيه تقام في أوقاتها، فإن كان قريبًا من المسجد وجب عليه الذهاب إليه، وإن كان بعيدًا عنه جاز له أن يصليها مع إخوانه في مكان عملهم. وإن كان المسلم يعمل في بلد غير مسلم فلن يمنعه أحد من أداء الصلاة في وقتها، خاصة وأن أداءها لا يستغرق سوى دقائق معدودات. وعلى المسلم أن يعطي المثل الصالح للمحافظة على دينه في الزمان والمكان.

والله تعالى أعلم.

([1]) سورة النساء من الآية 103، ومعنى موقوتاً: أي مفروضة في أوقات محددة.

([2]) سورة الإسراء الآية 78.

([3]) سورة هود من الآية 114

([4]) بدائع الصنائع ج1 ص80.

([5]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب أوقات الصلوات الخمس، صحيح مسلم بشرح النووي ج5ص112.

([6]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب المواقيت، برقم 393، ج1 ص107، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، ج1 ص333، قال الألباني في صحيح أبي داود، (٣٩٣): حسن صحيح.

([7]) سورة الإسراء من الآية 78.

([8]) أخرجه الإمام البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، برقم (527)، فتح الباري.

([9]) سورة البقرة من الآية 238.

([10])متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب إثم من فاتته العصر، ج1 ص138، ومسلم في كتاب الصلاة، باب استحباب التبكير بالعصر، شرح النووي على صحيح مسلم، ج5 ص125.

([11]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب أوقات الصلوات الخمس، صحيح مسلم بشرح النووي ج5 ص113، وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب المواقيت برقم (369)، سنن أبي داود ج1 ص 109.

([12]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في وقت صلاة العصر، برقم (413)، ج1 ص113، وأخرج مسلم بمثله بلفظ: (تلك صلاة المنافق يجلس يرقبُ الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً)، صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الصلاة، باب استحباب التبكير بالعصر، ج5 ص123

([13]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في وقت المغرب، برقم (418)، ج1 ص113-114، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الصلاة، باب وقت صلاة المغرب، برقم (689)، ج1 ص225، قال الألباني في هداية الرواة، (٥٨١): إسناده حسن.

([14]) أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في مواقيت الصلاة، برقم (151)، ج1 ص283-284، ورواه الإمام أحمد في مسنده، ج2 ص32، صححه الألباني في صحيح الترمذي، (١٥١).

([15]) مسلم في كتاب الصلاة، باب وقت العشاء، صحيح مسلم بشرح النووي ج5 ص137.

([16]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وقت العشاء، صحيح مسلم بشرح النووي ج5ص140.

([17]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب أوقات الصلوات الخمس، صحيح مسلم بشرح النووي ج5 ص112.

([18]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة، صحيح مسلم بشرح النووي ج5ص106.

([19]) سورة النور الآية 37.

([20]) سورة النور من الآية 38

([21]) سورة المعارج الآية 23.

([22]) سورة المعارج الآية 34

([23]) سورة المعارج الآية 34

([24]) تفسير القرآن العظيم للإمام ابن كثير ج3 ص125.

([25]) سورة مريم الآية 59.

([26]) سورة الماعون الآية 4.

([27]) سورة الماعون الآية.

([28]) تفسير القرآن العظيم، ج3 ص125

([29]) تفسير القرآن العظيم، ج3 ص125

([30]) أخرجه الإمام البخاري في كتاب المواقيت، باب تضييع الصلاة عن وقتها، برقم (530)، فتح الباري، ج2 ص17.

([31]) متفق عليه، أخرجه الإمام البخاري في كتاب المواقيت، باب الإبراد بالظهر في السفر، برقم (539)، فتح الباري، ج2 ص24