بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وصحبه أجمعين، وبعد،،
فالجواب عن هذا السؤال يتطلب الحديث بإيجاز عن ثلاث مسائل: المسألة الأولى: مخالفة هؤلاء الإخوة لأنظمة البلد الذي قدموا إليه وهذا مما لا يجوز فعله؛ وذلك لأن ولي الأمر عندما يضع أحكامًا
لتنظيم أمور بلاده يهدف من ذلك رعاية شئونها ومصالحها، وطاعة أولي الأمر في المعروف واجبة على كل مكلف؛ استدلالًا بالكتاب والسنة والمعقول:
أما الكتاب: فقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء:59]. فطاعة الله تكون بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. وطاعة رسوله تكون بما أمر به ونهى عنه، وطاعة أولي الأمر فيما يأمرون به وينهون عنه ما لم يكن في ذلك معصية لله عز وجل.
أما السنة: فقول رسول الله ﷺ: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية)([1])، وفي قول عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: «بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله»([2]).
أما المعقول: فإن أمور الناس ومعاشهم وسائر أحوالهم لا تستقيم إلا بأحكام وقواعد ونظم، وذلك أن لهم أنفسًا وأموالًا وأعراضًا وعقولًا تقتضي الضرورة الحفاظ عليها ولا يكون هذا إلا بولاة أمر عليهم؛ فاقتضى ذلك عقلًا وجوب طاعتهم ولولا ذلك لفسدت أحوال الناس في دينهم ودنياهم.
وينبني على هذا أن ولي الأمر إذا وضع أحكامًا أو قواعد تنظم الدخول أو الإقامة في البلد الذي يحكمه وجبت طاعته، فمن خرج أو حاول الخروج على هذه الأ حكام بأي طريقة كالدخول عنوة، أو عن طريق التسلل، أو التهريب، أو الاختباء عن رجال الأمن أو نحو ذلك من الطرق غير المشروعة فقد ارتكب معصية؛ لأن أحكام ولي الأمر المسلم المصلح وقواعده تعد جزءًا من الشريعة.
لهذا لا يجوز للإخوة المعتمرين المشار إليهم الاختباء عن رجال الأمن بحجة انتظار الحج، وأن الواجب عليهم الحج وفق الطرق النظامية المرسومة كما هو الحال في غيرهم من الحجاج.
والمسألة الثانية: السؤال عن مدى صحة حج المخالفين لنظام الإقامة، يتبين من سؤال الأخ السائل أن المعتمرين المشار إليهم قصدوا انتظار الحج طمعًا في أداء ركن من أركان الإسلام فهم بذلك ارتكبوا خطأ برروه بحسن نيتهم جهلًا منهم، فلعل الله أن يتقبل منهم حجتهم؛ استدلالًا بقول رسول الله ﷺ: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)([3]).
ولكن هذا لا يبرر لهم أن يعودوا لمثله، ولا يبرر لغيرهم أن يفعل مثل ما فعلوا؛ لأن الوسيلة التي اتبعوها في أداء حجهم غير مشروعة والعمل غير المشروع لا يبنى عليه، ولو كان فيه شبهة كالجهل أو حسن النية أو نحو ذلك.
وثالثة المسائل: عدم ذبح الهدي، يتبين أيضًا من سؤال الأخ السائل أن أولئك المعتمرين لم يذبحوا الهدي بحجة أنهم أقاموا في مكة، ولكن لم تتبين الصفة التي كانوا عليها عند دخولهم مكة فهم في واحدة من الأحوال التالية:
إما أن يكونوا قد تمتعوا فأحرموا في أشهر الحج بالعمرة فقط فهنا يجب عليهم ذبح الهدي (وهذا النسك هو التمتع).
وإما أن يكونوا مفردين أحرموا بالحج من الميقات فقط وبقوا على إحرامهم دون حلق أو تقصير إلى أن انتهوا من أفعال الحج يوم العاشر من شهر ذي الحجة، ففي هذه الحال ليس عليهم ذبح هدي (وهذا النسك هو الإفراد).
وإما أن يكونوا قد أحرموا بالحج والعمرة معًا أو بدءوا الإحرام بالعمرة ثم أضافوا إليها الحج، ففي هذه الحال يجب عليهم ذبح هدي (وهذا النسك هو القران).
ويبدو من ظاهر أفعالهم أنهم اعتمروا وتحللوا واختبئوا في مكة، ولما دخلت أيام الحج بدءوا نسكهم فهنا يجب عليهم ذبح الهدي إن كانت عمرتهم في أشهر الحج يعني في شوال أو ذي القعدة أو في عشر ذي الحجة، وإن كانت عمرتهم قبل شوال ولم يأخذوا عمرة في أشهر الحج فليس عليهم هدي؛ لأنهم غير متمتعين.
والله أعلم.
([1]) أخرجه البخاري في كتاب الأحكام، باب السمع والطاعة للإمام، مالم تكن معصية، برقم (7144)، فتح الباري، ج13 ص130، وأخرجه أبو داود في كتاب الجهاد، باب في الطاعة، برقم (2626)، سنن أبي داود، ج3 ص40-41.
([2]) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج6 ص521، برقم (1709).
([3]) أخرجه ابن ماجه في كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، برقم (2043)، سنن ابن ماجه ج1 ص659، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (٤٤٤٥).