ومفاد المسألة سؤال من أحد الإخوة المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية يقول فيه: هل يجوز للنساء الأذان والإقامة، عندما لا يكون هناك رجال، وهل تؤم المرأة أخواتها من النساء كما إذا كُن في سجن، أو أي مكان يتجمعن فيه؟.

حكم رفع الأذان والإقامة للنساء.

والجواب عن المسألة من ثلاثة وجوه:

 الأول: العلة في الأذان: فالمراد من الأذان الإعلان عن أمر مّا للتنبيه، والدلالة عليه تحقيقًا للمراد منه، فالأذان للحج الإعلان عنه كما في قول الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق}([1])، {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}([2]). والأذان للصلاة الإعلان برفع الصوت لمناداة المسلمين لحضورها جماعة في أوقاتها المحددة، عملًا بقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}([3]). وهذا أمر عام في صلاة الجمعة والجماعات.

ولكي يتحقق الهدف من الأذان للصلاة ينبغي أن يكون على موضع مرتفع، وبصوت عالٍ، يسمعه أكبر عدد من المسلمين المقيمين في المكان، ولهذا وجدت المآذن للمناداة بالصلاة في جماعة، منذ أن أذّن بلال بن رباح -رضي الله عنه- في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتتابع المسلمون على ذلك يعلنون الأذان والإقامة لصلاتهم.

الوجه الثاني: مدى توافر العلة في الأذان للنساء.

الأصل الشرعي أن الأذان للرجال دون النساء؛ لأن الأذان يقتضي حكمًا رفع الصوت، ورفع الصوت للنساء ممنوع في حقهن؛ ذلكم أن الله -جل وعلا- جعل لهن أحكامًا وخصائص منها ما يقتضيه الشرع، ومنها ما تقتضيه طبيعتهن، فأمّا ما يقتضيه الشرع فهو خفض الصوت، وعدم إظهار الزينة عملًا بقول الله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} إلى قوله تعالى: {وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ}([4]). فالأمر بغض البصر وإخفاء الزينة، يدل قياسًا على وجوب خفض الصوت لتشابه العلة والسبب.

وأما ما تقتضيه طبيعتهن فهو الرقَّة واللين في الصوت، خلافًا لما يحتاجه الأذان من رفع الصوت، وقوته، ولهذا أمرهن الله بالمحافظة على هذه الطبيعة في قوله لنساء نبيه ﷺ: {فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}([5])، وقد دل عمل الأمة على عدم جواز الأذان للنساء، باستثناء ما تقتضيه الحال مما سنبينه، وفي مذهب الإمام أبي حنيفة أن من صفات المؤذن أن يكون رجلًا، فيكره للمرأة الأذان باتفاق الروايات؛ لأنها إن رفعت صوتها فقد ارتكبت معصية، وإن خفضته فقد تركت سنة الجهر، ثم إن الأذان والإقامة سنتان لصلاة الجماعة، وليس على النساء جماعة، هذا إضافة إلى أن أذان النساء لم يكن معلومًا في سلف الأمة فأصبح من المحدثات.

ومع هذا إذا أذّنت المرأة للقوم أجزأهم ذلك، ولا يعاد الأذان لحصول المقصود منه؛ خلافًا لما روي عن الإمام أبي حنيفة باستحباب الإعادة([6]).

وفي مذهب الإمام مالك أن أذان النساء للفرائض مكروه، وذلك لكراهية رفع الصوت للمرأة مع الاستغناء عنه، وللإمام مالك أنه ليس على النساء أذان ولا إقامة، فإن أقامت فحسن ويعني هذا جواز إقامتها لنفسها([7]).

وفي مذهب الإمام الشافعي قال الإمام: (وليس على النساء أذان، وإن جمعن الصلاة، وإن أذن وأقمن فلا بأس، ولا تجهر المرأة بصوتها تؤذن في نفسها وتسمع صواحباتها إذا أذنت وكذلك تقيم إذا أقامت، وكذلك إن تركت الإقامة لم أكره لها من تركها ما أكره للرجال، وإن كنت أحب أن تقيم..).([8])، وجملة مافي المذهب أنه يندب لجماعة النساء الإقامة، لما فيها من استنهاض الحاضرين وعدم رفع الصوت كما في الأذان([9]).

وفي مذهب الإمام أحمد ليس على النساء أذان ولا إقامة بلا خلاف في ذلك، ولكن هل يُسن لهن الأذان؟ وفي هذا رُوي عن الإمام أحمد أنهن إن فعلن فلا بأس وإن لم يفعلن فجائز، ثم هل يستحب لها الإقامة؟ وفي المذهب روايتان: الأولى أنها تقيم، وبه قال عطاء ومجاهد والأوزاعي، والثانية لا يشرع لها ذلك؛ لأنها لا تؤذن، ومن لا يشرع في حقه الأذان لا يشرع في حقه الإقامة([10]).

وعند الإمام ابن حزم ليس على النساء أذان ولا إقامة، فإن أَذَّنَ وأقمن فحسن دليل ذلك: أن أمررسول الله ﷺ بالأذان إنما هو لمن افترض عليهم الصلاة في جماعة؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم) وليس النساء ممن أُمرن بذلك([11]).

 الوجه الثالث: مدى صحة إمامة المرأة في الصلاة.

لا خلاف في تحريم إمامتها للرجال، ولكن هل تؤم النساء؟ الغالب في أقوال الأئمة جواز ذلك.

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة جماعة النساء مكروهة، ولكن إذا أمتهن جاز وينبغي أن تقوم وسطهن؛ لأن مبنى حالهن على الستر وهذا أستر لها، واستدلوا على توسطها بين النساء بحديث ريطة الحنفية قالت: (كُنا جماعة من النساء عند عائشة -رضي الله عنها- فأمتنا وقامت وسطنا)([12]).

وفي مذهب الإمام مالك لا تكون المرأة إمامًا في فرض ولا نافلة، لا لرجل ولا لنساء، وروى ابن أيمن جواز إمامتها للنساء([13]).

وعند الإمام الشافعي لا يجوز أن تكون المرأة أمام رجل في الصلاة بأي حال، أما للنساء فقال الإمام الشافعي أخبرنا سفيان عن عمار الدهني عن امرأة من قومه، يقال لها حجيرة أن أم سلمة أمتهن فقامت وسطًا، وروى الليث عن عطاء عن عائشة أنها صلت بنسوة العصر فقامت في وسطهن. وقال: وكان علي بن الحسين يأمر جارية له تقوم بأهله في شهر رمضان، وكانت عمرة تأمر المرأة أن تقوم للنساء في شهر رمضان ثم قال الإمام الشافعي: (وتؤم المرأة النساء في المكتوبة وغيرها، وأمرها أن تقوم في وسط الصف، وإن كان معها نساء كثير أُمرت أن يقوم الصف الثاني خلف صفها، وكذلك الصفوف، وتصفهن صفوف الرجال إذا كثرن، لا يخالفن الرجال في شيء من صفوفهن إلا أن تقوم المرأة وسطًا، وتخفض صوتها بالتكبير والذكر الذي يجهر به في الصلاة من القرآن وغيره، فإن قامت المرأة أمام النساء فصلاتها وصلاة من خلفها مجزئة عنهن)([14]).

وفي مذهب الإمام آحمد يجوز للمرأة أن تؤم النساء، استدلالًا بأن النبي ﷺ أذن لأم ورقة أن تؤم أهل دارها، وإذا أمتهن فلا تتقدمهن وإنما تقوم في وسطهن([15]).

وعند الإمام ابن حزم إذا صلى النساء في جماعة وأمتهن امرأة منهن فحسن؛ لأنه لم يأت نص يمنعهن من ذلك؛ واستدلالًا بما روته ريطة الحنفية أن عائشة -رضي الله عنها- أمت نساء في الفريضة في المغرب، وقامت وسطهن وجهرت بالقراءة([16]).

قلت: ومما سبق ذكره يتبين أن الأذان شرع للمُناداة للصلاة في جماعة مما يقتضي معه رفع الصوت، وهذا لا يجوز للنساء كما أن الصلاة في جماعة شرعت للرجال وكرهت للنساء، على خلاف في ذلك، فمن يقول بجماعتهن يستدل بما ورد من أحاديث في ذلك منها ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)([17]). وما رواه أيضًا أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: (لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها)، فقال له بلال ابنه: والله لنمنعهن، فأقبل عليه أبوه وسبه، وقال: أخبرُك عن رسول الله ﷺ وتقول: والله لنمنعهن([18]). ومن يقول بكراهة الجماعة لهن يرى أن الأحاديث التي وردت في صلاة الجماعة للنساء قد نسخت، ويستدل على ذلك بحديث ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: (لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن)([19]). وكذلك بما روي عن رسول الله ﷺ أنه قال: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها)([20]).

قلت: والأصل ألا يصلين في جماعات وحدهن، فإن صلين مع الجماعة في المساجد كحال المتقدمات في السن، أو من يَمُرَّن بالمساجد وقت الصلاة فليس من بأس في ذلك؛ للأحاديث السابقة ويكنّ في أواخر الصفوف، إستدلالًا بقول رسول الله ﷺ: (خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)([21]). فإن خشي عليهن من سوء اقتضى ذلك عدم خروجهن.

أما إن كانت الحال تقتضي أن يكُن في جماعة وحدهن، كحال الدارسات في الجامعات أو المدارس أو السجن أو نحو ذلك، فالأفضل أن يصلين في جماعة، وتؤمهن أحداهن، سواء قامت في وسطهن أو أمامهن طالما أنهن يصلين وحدهن، وفي هذه الحال تقيم إحداهن مع مراعاة خفض صوتها ليبلغ صاحباتها فحسب.

وخلاصة المسألة: أن الأذان شرع للمناداة في جماعة مما يقتضي معه رفع الصوت، وهذا لا يجوز للنساء، كما أن الصلاة في جماعة شرعت للرجال ولم يفرض على النساء صلاة الجماعة، فإن أردن الصلاة مع جماعة المسلمين في المساجد حرم منعهن من ذلك مع أمن الفتنة؛ لقوله ﷺ: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيتهن خير لهن).

فإن كانت الحال تقتضي أن يكُن في جماعة وحدهن كحال الدارسات في الجامعات أو المدارس أو السجن أو نحو ذلك فالأحسن أن يصلين في جماعة، وتؤمهن إحداهن، وسواء قامت وسطهن أو أمامهن وفي هذه الحال يستحب أن تقيم إحداهن الصلاة مع مراعاة خفض صوتها ليبلغ صاحباتها فحسب. والله أعلم.

 

([1]) سورة الحج الآية 27

([2]) سورة الحج من الآية 28

([3]) سورة الجمعة من الآية 9

([4]) سورة النور من الآية 31

([5]) سورة الأحزاب من الآية 32.

([6]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ج1، ص 150، 157، وانظر حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج1 ص392، وشرح فتح القدير لابن الهمام ج1 ص352، 353، وكشف الحقائق شرح كنز الدقائق للأفغاني مع شرح الوقاية لعبد الله مسعود ج1 ص39، والمبسوط للسرخسي ج1 ص123.

([7]) المدونة الكبرى للإمام مالك برواية سحنون ج1 ص63، وانظر مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب مع التاج والإكليل ج1 ص434، 435، والمعونة على مذهب عالم أهل المدينة للبغدادي ج1 ص210،251،252، وعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم أهل المدينة لابن شاس ج1 ص117،119،191، وأسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك للكشناوي ج1 ص 171.

([8]) الأم للإمام الشافعي ج1، ص84.

([9]) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيني الخطيب ج1 ص135، وانظر قليوبي وعميرة ج1 ص127، وفتح الوهاب لشرح منهج الطلاب للأنصاري ج1، ص34، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي ج1، ص 406.

([10]) المغني للإمام ابن قدامة ج2 ص80، وانظر شرح الزركشي على مختصر الخرقي ج1 ص515، 516، والفروع لابن مفلح ج1 ص424، 425، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي ج1 ص124، والمبدع في شرح المقنع لابن مفلح ج1 ص311، 312.

([11]) المحلى بالآثار، ج2 ص169.

([12]) بدائع الصنائع ج1 ص157، وانظر فتح القدير ج1 ص353، وكشف الحقائق ج1 ص54، والمبسوط ج1 ص123، وانظر حديث ريطة الحنفية في سنن الدارقطني ج1 ص404، ومصنف عبد الرزاق ج3 ص126-127.

([13]) المعونة على مذهب عالم أهل المدينة ج1 ص251-252، وانظر عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم أهل المدينة ج1 ص191،193. ابن أيمن من علماء المذهب.

([14]) الأم ج1 ص164، وانظر قليوبي وعميرة ج1 ص231، وفتح الوهاب لشرح منهج الطلاب ج1 ص65.

([15]) شرح الزركشي على مختصر الخرقي ج1 ص515، والشرح الكبير مع المغني ج2 ص81-82، وانظر حديث أم ورقة في سنن أبي داود ج1 ص161-162، كتاب الصلاة، باب إمامة النساء برقم (591)، ومسند الإمام أحمد ج6 ص405.

([16]) المحلى بالآثار ج2 ص167-168.

([17]) أخرجه البخاري برقم (900)، وأخرجه مسلم (٤٤٢)، أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد برقم (565، 566)، ج1 ص155، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه، ج2 ص383، والبرهان فوري في كنز العمال، ج16 ص414، والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج2 ص33، والبيهقي في السنن الكبرى، ج3 ص134.

([18]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب خروج النساء إلى المساجد، صحيح مسلم بشرح النووي، ج4 ص161.

([19]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، برقم (567)، ج1 ص155، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (٥٦٧).

([20]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد والتشديد في ذلك، برقم (570)، سنن أبي داود، ج1 ص156، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٣٨٣٣).

([21]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب تسوية الصفوف وإقامتها، صحيح مسلم بشرح النووي، ج4 ص159.