والجواب على هذا من وجهين:
الأول: هل هذا الصبي في سن توجب عليه الذهاب إلى المسجد أم لا؟
الأصل أن الصلاة لا تجب على الصبيان سواء في البيوت أو المساجد ما لم يبلغوا الحلم، وإنما يجب على الأولياء والأوصياء أمرهم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين من أعمارهم؛ بغية تعويدهم وتدريبهم عليها، فإذا بلغوا العشر من أعمارهم لزم ضربهم على تركها، عملًا بقول رسول الله ﷺ: (مُروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعًا واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا وفرقوا بينهم في المضاجع)([1]).
والعلة في الضرب أنهم ربما بلغوا الحلم عند هذه السن، فإن لم يبلغوه فقد اقتربوا منه، فوجب حينئذٍ إشعارهم بوجوب الصلاة عليهم وأهميتها لهم، وما يترتب على تركهم لها من العقاب.
والمراد بالضرب هنا ملامسة الجسم بشيء من التعنيف البسيط الذي لا يترتب عليه ضرر كالألم الشديد، أو الهرب، أو ترك البيت، أو نحو ذلك من الآثار الضارة، فإن ترتب على الضرب آثار ضارة، كالتي ذكرت وجب الامتناع عنه؛ وينبني على هذا أن الصبي في المسألة إذا لم يبلغ الحلم، فلا تلزمه الصلاة سواء في البيت أو المسجد.
الوجه الثاني: الخوف على الصبي من الذهاب إلى المسجد. ومع أنه لم يرد في السؤال ذكر لطبيعة الخوف أو أسبابه كما ذكر آنفًا إلا أن له أوجهًا عدة، فقد يكون الخوف على الصبي من الإغتصاب، أو مصاحبة أهل السوء، وقد يكون الخوف عليه من الإختطاف انتقامًا من أبيه أو أسرته، وقد يكون الخوف عليه من شدة بُعد المسجد أو السير في الظلام أو الوحل أو نحو ذلك من الأفعال التي تؤذيه في جسده أو نفسيته.
ويستوي في ذلك كونه لم يبلغ الحلم أو قد بلغه، فالتكليف بالذهاب إلى المسجد مبني على الاستطاعة بمعناها الشرعي، والخوف الذي يؤدي إلى ضرر بالغ حال أو مؤكد الحلول ينفي الاستطاعة، ويُعد من الأعذار الشرعية.
و قد تعرض الفقهاء لهذه المسألة وسنورد بإيجاز بعضًا مما قالوه:
ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: يعذر بترك الجماعة، من حال بينه وبينها مطر وطين وبرد شديد وظلام وريح في الليل، كما يعذر بتركها من خاف على ماله، أو من غريم أو ظالم أو قيام بأمر مريض أو حضور طعام([2]).
وفي مذهب الإمام مالك: إذا إشتد الخوف على جماعة فلم يقدروا أن يصلوا إلا رجالًا أو ركبانًا، ووجوههم إلى غير القبلة فليفعلوا ويجوز لهم الجمع مع انقطاع المطر وبقاء الطين والظلمة، وإن اشتد الخوف عليهم صلوا حسب طاقتهم([3]).
وفي مذهب الإمام الشافعي: يرخص في ترك الجماعة للصائم أو المفطر إذا حضر الطعام ولهما به حاجة([4]).
وفي مذهب الإمام أحمد: يُعذر في ترك الجماعة من يدافع البول أو الغائط، ومن به خوف من ضياع المال كحال الغلة في البيادر أو الدواب التي لا حافظ لها غيره، أو كان ممن اُستحفظ على شيء فخاف ضياعه، فهذه من الأعذار التي تُعد أشد من المطر الذي يُعد عذرًا بالاتفاق([5]).
وينبني على هذا إعذار الصبي البالغ بعدم الذهاب إلى المسجد بل يجب عدم ذهابه، إذا كان هناك خوف أو خشية عليه مما يؤذيه في جسده أو نفسيته، وسواء كان هذا الخوف حالًا، أو مؤكد الحلول.
وخلاصة المسألة: أن الأصل عدم وجوب الصلاة على الصبيان ما لم يبلغوا الحلم، وإنما يجب على الأوصياء أمرهم بها إذا بلغوا سبع سنين، وضربهم إذا لم يؤدوها بعد بلوغهم العاشرة من أعمارهم، والمراد من الضرب ملامسة الجسم بشيء من التعنيف البسط الذي لا يترتب عليه ضرر، كالألم الشديد أو الهرب أو ترك البيت.
ويُعذر الصبي من الذهاب إلى المساجد بل يجب عدم ذهابه إليها إذا خِيف عليه من الاغتصاب، أو الاختطاف أو مصاحبة أهل السوء أو نحو ذلك من الأفعال التي تؤذيه في جسده أو نفسيته.
([1]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج2 ص80، والبيهقي في السنن الكبرى، ج3 ص84، قال أحمد شاكر في تخريج المسند لشاكر، (١٠/١٦٦): إسناده صحيح.
([2]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني، ج1 ص244-245، وانظر حاشية رد المحتار لابن عابدين، ج1 ص555، وشرح فتح القدير لابن الهمام، ج2 ص96-101، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار، ج1 ص361-362.
([3]) كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي، ج1 ص495-498، ج2 ص18-19-20، وانظر المغني والشرح الكبير لابن قدامة، ج2 ص271، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي، ج1 ص283-290.
([4]) المدونة الكبرى للإمام مالك برواية سحنون، ج1 ص240-241، وانظر المعونة على مذهب عالم أهل المدينة للبغدادي، ج1 ص261، 319، وعقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس، ج1 ص237-239، والخرشي على مختصر سيدي خليل مع حاشية الشيخ علي العدوي، ج1 ص93.
([5]) الأم للإمام الشافعي، ج1 ص155-156، وانظر نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي، ج2 ص155-157، والمجموع شرح المهذب للنووي، ج4 ص429، والحاوي الكبير للماوردي، ج3 ص97-99.