ومفاد المسألة سؤال عن تباين آراء العلماء والفقهاء حول رفع أجهزة الإنعاش الطبي عن الميؤوس منه.

هل يجب رفع أجهزة الإنعاش الطبي عن الميؤوس منه

ويجاب عن هذا بأن أجهزة الانعاش الطبي دواء لمن يحتاج مرضه إليها، ولا تختلف عن أي دواء آخر إلا في صفاتها أو تعقيداتها، فالمريض الذي يستخدمها مثل المريض الذي يستخدم أجهزة غسل الكلى، ومثل المريض الذي يستخدم أدوية ضغط الدم أو السكر، فالقول بإيقاف أجهزة الإنعاش بحجة أن دماغ المريض قد مات مثل القول بإيقاف أجهزة غسيل الكلى، أو إيقاف الدواء عن مريض يحتاج مرضه إلى هذا الدواء، أي: كأننا نقول لهؤلاء المرضى: سنوقف أجهزتكم وأدويتكم لكي تموتوا.

إن القول بأن بقاء المريض على هذه الحالة -أجهزة الإنعاش الطبي- يتكلف نفقات كثيرة دون طائل، ويحجز أجهزة قد يحتاج إليها غيره لا يسوغ شرعًا إيقاف هذه الأجهزة؛ لأن حياة الإنسان وكرامته أغلى من المادة، ولو أخذنا بهذا القول على إطلاقه لقبلنا النظرية المادية المتطرفة التي ترى أن قيمة الإنسان تقاس بمدى إنتاجه، وبالتالي نحكم بنهاية الإنسان إذا كبر، أو أصابه مرض، وهذا لا يقول به عاقل.

الوفاة التي تترتب عليها مختلف الأحكام من إرث ووصايا وغيرهما لا تتحق إلا إذا فارقت الروح الجسد، وانتهت بذلك كل مظاهر حياة الإنسان من نبض القلب، والتنفس، وتوقف الدورة الدموية، وغير ذلك مما هو معروف لدى الأطباء المتخصصين؛ وإن موت دماغ المريض بعضه أو كله لا يعني نهاية حياته؛ لأن له أجلًا لا يعلمه إلا الله -عز وجل-، وإن القول بأن مريضًا ما ميؤوسٌ من شفائه قول لا يتفق مع عقيدة المسلم، فالشافي هو الله في قوله -عز وجل-: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين}([1])، والمسلم لا ييأس ولا يقنط مهما كان مسمى المرض وشدته وخطورته؛ لأن الله -عز وجل-  قال في محكم التنزيل: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون}([2])، وقال -عز وجل-: {لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ}([3]).

لهذا يجب التفريق في واقعة الوفاة بين أمرين:

الأمر الأول: إذا ثبت ثبوت علم ويقين أن المريض قد توفي -أي: فارقت روحه جسده- وجب إيقاف أجهزة الإنعاش الطبي عنه.

الأمر الثاني: إذا كان قلب المريض وتنفسه ودورته الدموية لم تتوقف فلا يجوز إزالة هذه الأجهزة بحجة أن دماغه قد مات، فالحكم بالوفاة يجب أن يعتمد على مجموعة من الأدلة الطبية الظاهرة والقاطعة التي تدل في مجموعها على مفارقة الروح الجسد.

 

([1]) سورة الشعراء الآية 80.

([2]) سورة يوسف الآية 87.

([3]) سورة الزمر الآية 53.