بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وصحبه أجمعين، وبعد،،
فالجواب: أن الحج ركن من أركان الإسلام، يجب على المسلم من ذكر أو أنثى أداءه مالم يكن غير مستطيع له، بسبب عجزه كمرضه، أو بسبب عدم قدرته على نفقته، ولا خلاف في ذلك بين الفقهاء.
ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: لا تجوز النيابة في الحج عند القدرة عليه؛ لأن جواز الحج عن الغير جاء على خلاف القياس لضرورة العجز الذي لا يرجى برؤه، فيتقيد الجواز به([1]). وما ذاك إلا لأن الحج عبادة بدنية وجبت للابتلاء، فلا تجري فيها النيابة «لأن الابتلاء بأتعاب البدن وتحمل المشقة فيقع الفعل عن الفاعل.. فأقام الشرع السبب مقام المباشرة في حق الميئوس نظرًا له، كالفدية في باب الصوم في حق الشيخ الفاني»([2]).
أما في مذهب الإمام مالك: فظاهر المذهب عدم صحة النيابة عن الحي مطلقًا فرضًا، أو نفلًا وسواء كان المنيب صحيحًا، أو مريضًا، أو كان ذلك بأجرة أو بغير أجرة، ويستثنى من ذلك وصية الميت الصرورة (أي الذي لم يحج) فيحج عنه بحكم وصيته.
وفي مذهب الإمام الشافعي: لا تجوز النيابة عن الصحيح الذي يقدر على الثبوت على الراحلة؛ لأن الفرض عليه في بدنه فلا ينتقل هذا الفرض إلى غيره إلا فيما كانت فيه الرخصة، ومنها العجز أو المرض الميئوس منه، وماعدا ذلك يبقى على الأصل فإن كان المريض غير ميئوس منه لم يصح أن يحج عنه غيره([3]).
وفي مذهب الإمام أحمد: يرى الإمام ابن تيمية أنه إذا كان المريض يرجو القدرة على الحج لم تجز له الاستنابة في فريضة الحج؛ لأن النبي ﷺ إنما أذن في النيابة للشيخ الكبير الذي لا يستمسك على الراحلة فألحق به من في معناه. أما الذي ترجى قدرته فهذا ليس في معنى ذاك لوجوه:
أولها: أن ذاك عاجز في الحال والمآل وهذا (أي الذي ترجى قدرته) عاجز في الحال فقط، والبدل إنما يجب عند تعذر الأصل بكل حال.
وثانيهما: أنه لو عجز عن صوم رمضان بكل حال انتقل إلى البدل، وهو الفدية وإن عجز في الحال فقط لم يجز له الانتقال إليه ولزمه الصوم إذا قدر فالحج مثله.
وثالث الوجوه: أنه لوجاز ذلك لجاز أن يحج عن الفقير فتسقط حجة الإسلام من ذمته؛ لأنه عاجز في الحال.
ورابعها: «أن وجوب الحج لا يختص ببعض الأزمنة دون بعض، فإذا لم يغلب على الظن دوام العائق جاز أن يخاطب فيما بعد، وجاز أن لا يخاطب..»([4]).
والمعروف أن للمرض أنواعًا وصفات عدة، فمنه ماهو يسير يرجى شفاؤه، ولو اضطر صاحبه إلى عدم الحركة والمكث في الفراش ولكنه يزول بفعل الأدوية، أو بفعل مقاومة الجسم فهذا إن منع صاحبه من الحج في زمن فلن يمنعه منه في زمن آخر، فعذره إذًا في عدم الاستطاعة موقوتٌ، وعليه أن يؤدي حجة الإسلام بعد شفائه.
ومن المرض نوع لا يرجى -في الغالب- شفاؤه كالأمراض المزمنة في هذا الزمان، وهذا قد لا يجعل صاحبه عاجزًا كل الوقت، فيتحرك ويسافر ويعمل رغم مرضه. وهذا وإن كان مما لا يرجى شفاؤه يجب عليه أن يحج مادام أنه يستطيع الحركة والركوب والنزول؛ لأن الرخصة الموجبة للنيابة مبنية على عدم الاستطاعة بالبدن، فإذا كان البدن قادرًا على الحركة ترتب الفعل مباشرة على المكلف.
ومن المرض نوع تصعب معه الحركة، ولو كان مما يرجى شفاؤه مثل مريض الكلى الذي يضطر للعلاج المستمر بـ «الغسيل» مما يصعب عليه مباشرة الحج بنفسه؛ لاضطراره للعلاج المستمر في مكان معين فهذا تجوز له النيابة لعجزه.
والأمر في المسألة واضح فمرض المرأة كان يسيرًا، وتوهمها لا يجيز لها النيابة، في الحج إلا أنه يكون في مثل هذه الأحوال على التراخي فعليها أن تحج حجة الإسلام بعد زوال مرضها اليسير.
وخلاصة المسألة: أن النيابة في الحج لا تجوز عند القدرة، وإذا كان المرض غير مخوف، ويرجى برؤه، فلا تجوز له الاستنابة؛ لأن إلاذن في النيابة للشيخ الكبير الذي لا يقدر على الركوب والنزول وفي معناه المريض غير القادر، أما حال المرأة المسئول عنها فإن مرضها كان توهمًا وعليها أن تحج بنفسها حجة الإسلام.
والله أعلم
([1]) بدائع الصنائع للكاساني ج2 ص212-213.
([2]) انظر: الاختيار لتعليل المختار لابن مودود ج1 ص170، وشرح فتح القدير لابن الهمام على الهداية للمرغيناني ج3 ص143-145، وحاشية رد المحتار لابن عابدين ج2 ص598-599، وكشف الحقائق شرح كنز الدقائق لعبد الحكيم الأفغاني ج1 ص158، وحاشية الطحطاوي على الدر المختار ج1 ص547.
([3]) المجموع شرح المهذب للنووي ج7 ص112-113، وانظر الأم للإمام الشافعي ج2 ص123، ونهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي ج3 ص253، وحاشية الجمل على شرح المنهج للأنصاري ج2 ص388، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيني الخطيب ج1 ص469.
([4]) شرح العمدة في بيان مناسك الحج والعمرة للإمام ابن تيمية ج1 ص165-166، وانظر المغني والشرح الكبير لابن قدامة ج3 ص179، ومطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى للرحيباني ج2 ص284، وكتاب الفروع لابن مفلح ج3 ص245-247، وشرح منتهى الإرادات للبهوتي ج2 ص3-4، وكشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ج2 ص390-391.