ومفاد السؤال، أن زوجًا أجبر زوجته الموظفة على أن تسلم له راتبها كل شهر، وعندما حاولت الاحتفاظ به أو بجزء منه، رفض ذلك بحجة أنها ليست في حاجة إلى المال. والسؤال هو عما إذا كان من حق الزوج في المسألة إجبار زوجته على تسليم راتبها له دون رضاها؟.

حكم أخذ الزوج من راتب زوجته ومنعها من التصرف فيه

والجواب: أن الزوج -كما يبدو من ظاهر المسألة- قد تعدى على مال زوجته دون حق؛ وذلك أن الله جل وعلا جعل للزوجة حقوقًا خاصة بها، لا يحق للزوج المساس بها، ما لم يكن ذلك بطوعها، ورضاها، وهذه الحقوق كثيرة منها حقها في المهر، وحقها في النفقة، وحقها فيما ترثه أو تكتسبه من مال، ولكون هذه الحقوق الثلاثة تُكونُ في الغالب مال الزوجة، ولعظمها واستخفاف بعض الأزواج، والأولياء بها سنعرض لها بإيجاز.

حق الزوجة في المهر:

فحق الزوجة في المهر حق مخصوص بها بسبب عقد النكاح، وهو في الوقت نفسه تكريم لها؛ خلافًا لما كانت تعامل به في جاهلية العرب من إهدار لحقها في مهرها.

لقد كان الأولياء يأكلون مهور مولياتهم، وكان العرف السائد أن الزوج إذا كان من عشيرة المولية، استولى الولي على مهرها، فلم يعطها منه شيئًا، وإن كان الزوج من غير عشيرتها، حملها الولي على جمل إلى زوجها، فكان حقها من مهرها ذلك الجمل فقط، ولما كان ذلك ظلم لها ومصادرة لحقها، أمر الله الأولياء أن يعطوا مولياتهم مهورهن في قوله تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} [النساء:4]، وفي هذه الآية أمر بإعطاء المرأة مهرها، وأمر الله يجب الوفاء به فالمهر إذًا يعد فرضًا على الزوج، لا يصح الزواج إلا به، ما لم تتنازل عنه المرأة عن طيب نفس منها.

وكما أمر الله جل وعلا بإيتاء النساء مهورهن، نهى عن أخذ شيء منها في حال الطلاق([1])، فقال تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينا} [النساء:20]([2]).

وقد علل الله المنع في قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء:21]، وفي هذه الآية تأديب للزوج الذي يخلو مع امرأته، وينال منها ما ينال، ثم ينسى ذلك، فيطلب ما دفعه لها، وكأنه لم يكن بينه وبينها علاقة خلوة، وعلاقة معاشرة.

وقد تعرض الفقهاء لحق المرأة في المهر وما يجب لها فيه:

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: يجب بالعقد؛ لأنه إحداث الملك والمهر يجب بمقابلة إحداثه، ولأنه عقد معاوضة فيقتضي وجوب العوض كالبيع سواء كان مفروضًا في العقد أو لم يكن. . والمهر ملك المرأة وحقها، وليس للأب أن يهب مهر ابنته؛ لأنه ليس لأحد أن يهب ملك إنسان بغير إذنه([3]).

وفي مذهب الإمام مالك: إذا طلقت المرأة قبل الدخول وقد سمى الزوج لها صداقًا، وكانت جائزة الأمر في حالها وعفت عنه، فذلك لها.

والعفو أن تترك نصف الصداق إن لم تكن قبضت منه شيئًا، أو ترده عليه إن كانت قد قبضته، أما إن كانت بكرًا فيجوز لأبيها العفو عن نصف الصداق، وهذا الجواز مقيد به وحده، فلا يجوز لوصي ولا غيره العفو عن شيء لها؛ استدلالًا بقول الله تعالى: { إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة:237]([4]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: المهر حق للمرأة فإذا تصدقت على زوجها بشيء، أو وضعت له من مهرها، أو من دين كان لها عليه فأقامت البينة على أنه أكرهها على ذلك، وهو في موضع القوة أبطلت ذلك عنها كله([5]).

وفي مذهب الإمام أحمد: للمرأة أن تمتنع عن تسليم نفسها للزوج حتى تتسلم مهرها إن كان حالًا، فإن امتنع عن تسليمه حتى تسلم نفسها أجبر على تسليمه أولًا، وإن أعسر به قبل الدخول فلها الفسخ([6]).

حق الزوجة في النفقة:

وهذا الحق ثابت بنص الكتاب والسنة والمعقول:

أما الكتاب: فقول الله تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزاب:50]، وقوله عزوجل: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق:7].

أما السنة: فقد أكد رسول الله ﷺ على حق الزوجة في قوله ‹‹. . ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن››([7])، ولما جاءت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان إلى رسول الله ﷺ فقالت له يا رسول الله: ‹‹إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي مايكفيك وولدك بالمعروف››([8]).

ولما جاء رجل إلى النبي ﷺ يسأله عن حق المرأة على الزوج، قال -عليه الصلاة والسلام-: ‹‹تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت››([9]).

أما المعقول: فإن الزوج في حال قيام الزوجية مسئول عن زوجته وولده، وهذه المسئولية توجب عليه نفقة وكفالة من هم تحت مسئوليته، إذ لا تستقيم حال الأسرة إلا بمسئول عنها، وهو هنا الزوج بحكم طبيعته وقوامته عليها.

وللفقهاء أقوال كثيرة في وجوب النفقة على الزوجة:

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: تجب النفقة على وجه لا يصير دينًا في ذمة الزوج إلا بقضاء القاضي، أو بتراضي الزوجين، فإن لم يوجد أحد هذين تسقط بمرور الزمن، ولو أبرأت الزوجة زوجها من النفقة قبل ذلك لا يصح الإبراء؛ لأنه إبراء عما ليس بواجب والإبراء إسقاط، وإسقاط ما ليس بواجب ممتنع، وكذلك لو صالحت زوجها على نفقة لا تكفيها، ثم طلبت من القاضي مايكفيها، فإن على القاضي أن يفرض لها ما يكفيها؛ لأنها حطت ما ليس بواجب، والحط قبل الوجوب باطل كالإبراء([10]).

وفي مذهب الإمام مالك: لا تسقط نفقة المرأة عن زوجها بشيء غير النشوز لا من مرض، ولا حيض، ولانفاس، ولا صوم، ولا حج ولا مغيب إن كان الغياب بإذنه([11]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: يجب للزوجة الحق في النفقة بالمعروف وجماعه إعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه، وأداؤه إليه بطيب النفس لا بضرورته إلى طلبه، ولا أدائه بإظهار الكراهية وأيهما ترك فهو ظلم. . وإذا لم يجد ما ينفق عليها، احتمل أن تخير بين المقام معه، وفراقه، فإن اختارت الفراق فهو فرقة بلا طلاق، وفي هذا ساق الإمام الشافعي ما روي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم أن يأخذوهم أن ينفقوا، أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا([12]).

وفي مذهب الإمام أحمد: تجب نفقة الزوجة على الزوج فإن منعها مما يجب لها كله أو بعضه، وقدرت له على مال فلها الأخذ منه بمقدار حاجتها بالمعروف؛ استدلالًا بترخيص رسول الله ﷺ لهند زوجة أبي سفيان بأخذ الكفاية من ماله بدون إذنه؛ لأن النفقة موضع حاجة متجددة، وإذا دفع الزوج إليها نفقتها حق لها أن تتصرف فيها بما تشاء من صدقة، وهبة، ومعاوضة ما لم يكن في ذلك ضرر عليها([13]).

حق الزوجة فيما ترثه أو تكتسبه من مال:

لقد تبين مما سبق أن مهر الزوجة، ونفقتها يعد حقًا لها تتصرف فيه بالهبة أو الصدقة أو نحو ذلك من الوجوه المشروعة، وإذا كان هذا حقها بعد عقد النكاح وثبوت الزوجية، فإن حقها فيما ترثه أو تكتسبه من مال أولى وآكد، فليس للزوج تملك شيء منه إلا برضاها، وليس له التصرف فيه الإ بإذنها، أوتتصدق منه عليه بطيب نفس منها.

لقد كانوا في الجاهلية يستولون على مال المرأة بطرق شتى، ومن ذلك أن زوجها إذا مات كان أولياؤه أحق بها في مالها وفي نفسها، فإن شاءوا زوجوها وإن شاءوا لم يزوجوها، كانوا يعضلونها حتى تفتدي نفسها بما ترثه من مال، فنزل في ذلك قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء:19].

وجماع الأمر كله أنه ليس للزوج الحق في مال زوجته سواء كان مهرًا أو نفقة أو إرثًا أو أي مال آخر ملكته عن طريق الاكتساب، وليس له حق تملك شيء منه أو التصرف فيه بأي وجه إلا فيما وهبته له أو فوضته فيه دون إكراه منه، وفي هذا يقول الإمام مالك ‹‹ليس للزوج قضاء في مال امرأته قبل دخوله بها ولا بعده››([14]).

وينبني على هذا أنه ليس للزوج في المسألة الحق في التصرف في راتب زوجته؛ لأن راتبها يعد حقًا لها، وتصرفه فيه على النحو الذي ورد في السؤال يعد قهرًا وظلمًا لها.

وخلاصة المسألة: أن للزوجة حقوقًا كثيرة منها حقها في المهر، وحقها في النفقة، وحقها فيما ترثه أو تكتسبه من مال، وليس للزوج حق التصرف في أي من هذه الحقوق إلا ما وهبته له أو تصدقت به عليه برضاها؛ لهذا ليس للزوج في المسألة الحق في التعرض لمال زوجته بأي وجه، وما فعله يعد ظلمًا لها مما يحق لها المطالبة برفعه.

والله أعلم.

 

([1]) المقصود بالطلاق في الآية ما كان من غير نشوز من المرأة، أما إذا كان بنشوز منها وجب عليها أن تدفع له ما يتفقان عليه؛ استدلالاً بقول الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229]، واستدلالاً بقصة جميلة بنت سلول مع زوجها فقد أتت هذه النبي ﷺ وقالت: والله ما أعتب على ثابت ديناً ولا خلقاً ولكن أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضاً، فقال لها عليه الصلاة والسلام: (أتردين عليه حديقته)، قالت: نعم، فأمره رسول الله ﷺ أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد. انظر كنز العمال للبرهان فوري، ج6، ص185، ومشكاة المصابيح للتبريزي ج2، ص977، وسنن النسائي ج6 ص169، السنن الكبرى للبيهقي، ج7، ص313، صححه الألباني في صحيح ابن ماجه، (١٦٨٦).

([2]) وفي هذه الآية دلالة على جواز المغالاة في المهور تكريماً للمرأة،؛ لأن الله حين ذكر ‹‹القنطار›› فدل على إباحته في المهر، وعندما أراد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تحديد المهر واستشهد بأن رسول الله ﷺ ما أصدق قط امرأة من نسائه أو بناته فوق اثنتي عشرة أوقية، قامت امرأة فقالت: يا عمر يعطينا الله وتحرمنا منه ثم استشهدت بالآية، فقال عمر: أصابت امرأة وأخطأ عمر أو قال: كل الناس أفقه منك يا عمر. انظر سنن النسائي، ج6، ص117-118، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ج5 ص99، قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، (٩/١١١): منقطع. وعامة العلماء على أنه لا حد لأكثره ولكن تبدل الأحوال ووقائع الحياة وقدرات الرجال وظروفهم توجب تقليل المهر لما في ذلك من خير كثير للرجل والمرأة.

([3])  بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني، ج2، ص287-290.

([4]) انظر في مذهب الإمام مالك كتاب الكافي في فقه أهل المدينة المالكي للقرطبي ج2، ص558-559، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد ج2، ص25-26.

([5]) الأم للإمام الشافعي ج3، ص61، وانظر نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي ج6، ص335-340، والحاوي الكبير للماوردي ج12، ص109-110.

([6]) المغني لابن قدامة ج10، ص171-172، والمبدع في شرح المقنع لابن مفلح ج5، ص380.

([7]) أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح باب حق المرأة على الزوج برقم (1851) ج1 ص594، حسنه الألباني في صحيح الجامع، (٧٨٨٠)..

([8])  أخرجه البخاري في كتاب النفقات باب نفقة المرأة إذا غاب عنها زوجها، ونفقة الولد برقم (5359) فتح الباري ج9 ص 414.

([9])  أخرجه الإمام أحمد في مسنده، ج4، ص447، ج5، ص3، صححه الألباني في صحيح الترغيب، (١٩٢٩).

([10])بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ج4، ص25-26.

([11]) كتاب الكافي في فقه أهل المدينة المالكي ج2، ص559-560، وكتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب مع التاج والإكليل لمختصر خليل ج4، ص182-183.

([12]) الأم للإمام الشافعي ج5، ص93-98.

([13]) المغني والشرح الكبير للإمام ابن قدامة ج9، ص229-241.

([14]) المدونة الكبرى للإمام مالك بن أنس الأصبحي برواية الإمام سحنون مع مقدمات ابن رشد، ج4 ص260، وانظر شرح منح الجليل على مختصر خليل لعليش ج8 ص198.