الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد بن عبدالله وآله وصحابته أجمعين، أما بعد: فإن الزكاة فرض، فرضه الله على عباده الموسرين، طهارة لأموالهم، وأداء حق لإخوانهم المحتاجين، برًّا بهم وشفقة عليهم. فقال -عـز وجــل- آمـرًا عباده بأدائـها: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين}، [البقرة:43]، وقال- عز ذكره-: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة}، [البينة:5]، وقد حث عليها رسول الله ﷺ وشدد فيها، فقال: (بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.. الحديث)([1])، ولما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن يدعوهم إلى الله، قال له: (إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة ألا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم.. الحديث)([2]).
ولما كانت الزكاة طهارة للمال، ودفعًا لحاجة المحتاج، فقد تفاوت الفضل في أدائها بين البعيد والقريب، فكان إعطاؤها لهذا أفضل عندما يكون محتاجًا لها. والأصل في ذلك الأحاديث الكثيرة، منها قول رسول الله ﷺ: (الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة)([3])، وقوله عليه الصلاة والسلام:(خير الصدقة على ذي الرحم الكاشح)([4]) أي المعادي، وفي حديث زينب امرأة عبدالله بن مسعود قالت: قال رسول الله ﷺ: (تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكن)، قالت: فرجعت إلى عبدالله، فقلت: إنك رجل خفيف ذات اليد، وإن رسول الله ﷺ قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزئ عني وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت: فقال عبدالله: بل ائتيه أنت، قالت: فانطلقت فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله ﷺ حاجتي حاجتها، قالت: وكان رسول الله ﷺ قد ألقيت عليه المهابة، قالت: فخرج علينا بلال، فقلنا له: ائت رسول الله ﷺ فأخبره أن امرأتين بالباب يسألانك أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما، ولا تخبر من نحن، قالت: فدخل بلال فسأله، فقال: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب، فقال: أي الزيانب؟ فقال: امرأة عبدالله، فقال: لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة)([5]).
وقد تقاربت أقوال الأئمة في هذه المسألة، فلما سئل سعيد بن المسيب عن الزكاة، قال: «أحب من وضعتها عنده إليَّ يتيمي وذو فاقتي»([6])، وعن الحسن: «أن الرجل يضع زكاته في قرابته ممن ليس في عياله»([7]).
وفي مذهب الإمام أبي حنيفة: يجوز دفع الزكاة لسائر القرابات غير الولاء وهو أولى، لما فيه من الصلة على الصدقة كالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والخالات، ولو كان بعضهم في عياله، ولم يفرض القاضي النفقة له عليه، فدفعها إليه ينوي الزكاة جاز عن الزكاة([8]).
وفي مذهب الإمام مالك: لا تجب زكاة المزكي لمن تلزمه نفقتهم، وهم الوالدان والولد والزوجة؛ لأنه يسقط بها عن نفسه فرضًا، أما من وراء هؤلاء من قرابته فهم في زكاته والأجنبيون سواء([9]).
وفي مذهب الإمام الشافعي: نقل المزني عن الإمام قوله: (وأحبُّ إلى ذي رحمه الأقارب إذا كان لا تلزمه نفقتهم. وأكد الماوردي أن الأقارب وذوي الأرحام ضربان: أحدهما أن تكون نفقاتهم واجبة، كالآباء والأبناء إذا كانوا فقراء زمنى فلا يجوز أن يدفع الزكاة إليهم؛ لأنه يجب عليه أن يخرج الزكاة عنهم والضرب الثاني: ألا تكون نفقاتهم واجبة كالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، فالأولى إذا كانوا من أهل الصدقة أن يخصهم بها؛ صلة لرحمه، وبرًا لأهله وأقاربه([10]).
وفي مذهب الإمام أحمد: يعطى لكل القرابة من الزكاة إلا الأبوين والولد، فيعطى الأخ والأخت والخالة، وهكذا([11]).
وبناءً على ما سبق، ولما كانت أخت الأخ السائل في حاجة إلى من ينفق عليها، وعلى ابنتها، خاصة أن زوجها مريض لا يستطيع إعالتهما، فإن عليه دفع الزكاة لها ولابنتها كذلك، وسيكون له بهذا -إن شاء الله- الحسنيان: إخراج زكاة ماله، والبر بأخته وابنتها، لما في البر من الأجر العظيم والثواب الجزيل، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله ﷺ قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وأن ينسأ له في أثره، فليصل رحمه)([12]). وما رواه أيضًا أنه عليه الصلاة والسلام قال: «من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على مسلم يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»([13]).
([1]) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب دعاؤكم إيمانكم، فتح الباري ج ١ ص 64 رقمه ٨.
([2]) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، فتح الباري ج ٣ ص 307، رقمه(1395).
([3]) أخرجه الترمذي ج ٣ ص ٦٤ – ٧٤، رقمه(658)، قال الألباني في هداية الرواة، (١٨٨١): إسناده صحيح أو حسن لغيره.
([4]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج ٣ ص402، قال الألباني في هداية الرواة، (2107): إسناده ضعيف.
([5]) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر، فتح الباري ج ٣ ص384-385 ، رقمه(1466).
([6]) كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام ص 516.
([8]) شرح فتح القدير لابن الهمام ص269-270.
([9]) جامع الأحكام الفقهية للإمام القرطبي ج ١ ص 333 وانظر: المدونة الكبرى للإمام مالك برواية الإمام سحنون ج ١ ص 256.
([10]) الحاوي الكبير للماوردي ج ٤ ص 431 ، والمجموع شرح المهذب للنووي ج ٦ ص 229.
([11]) المغني للإمام ابن قدامة ج ٤ ص 99 ، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج 25 ص 88.
([12]) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم، فتح الباري، ج10، ص429، رقمه(5985).
([13]) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في المعونة للمسلم، سنن أبي داود ج ٤ ص 287، رقمه(4946).