الجواب: يحرم عليه شراء كل ما هو مغصوب، وما فيه شبهة غصب، سواء كان المشتري يعرف حقيقة الغصب على وجه اليقين، أو على وجه الظن والاحتمال الراجح، وذلك أن المال المغصوب حرام على غاصبه؛ لدخوله فيما حرم الله على عباده؛ لقوله -تعالى-: {وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وقوله -تعالى-: {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، فالغصب يدخل في أكل المال بالباطل، كما يدخل فيما حرم الله من البيع بالربا؛ لأن من أسباب حرمة هذا البيع الاستغلال، وأكل الأموال بغير حق.
وكما حرم الله أكل الأموال بالباطل فقد أكد ذلك رسوله -ﷺ- في خطبة الوداع حين قال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا)([1]).
ويعتبر المشتري للمغصوب مستوليًا على ملك لا يملكه، رغم دفعه ثمنًا له، فلمالك السيارة في المسألة الرجوع عليه أو على الغاصب، أيَّهما شاء، وإذا تلفت فله كذلك الرجوع بالضمان على المشتري أو على الغاصب، أيَّهما أراد، كما أن له الحقَّ في الحصول على ما نتج عن السيارة من منافع، كالمبالغ التي حصل عليها الغاصب أو المشتري من تأجيرها مدة بقائها عند أحدهما.
ويتعلق بهذه المسألة عدة فروع:
منها: عدم جواز إجازة بيع المغصوب، فلا يجوز لصاحب السيارة المغصوبة إجازة البيع؛ لأن أصل البيع كان محرمًا، فلا يحل لأحد إجازة المحرم([2]).
ومنها: أن للغاصب نَقْضَ عقد بيع السيارة على أساس أنه قد تصرف فيما لا يملكه([3]).
ومنها: أن وضع المغصوب في وجه من وجوه البر، كوقفه أو التصرف به، لا يغير من طبيعة الغصب، ولا يبيح للمتولي على الوقف أو نحوه قبول أو استغلال المال المغصوب، أو التصرف فيه، وكما يحرم شراء المال المغصوب -كحال السيارة في المسألة- فإنه يحرم قبوله هدية أو صدقة أو بأي صفة أخرى من صفات التعامل، وسواء كان المال المغصوب مملوكًا لشخص أو لمؤسسة تجارية أو خيرية أو لحكومة، بل إن حرمة المال المغصوب من الحكومة أشد إثمًا من غيره؛ لتعلق حقوق كل الناس به.
وتحريم الغصب تحريم مطلق، سواءٌ كان المغصوب منه مسلمًا أم غير مسلم؛ لأن التحريم لا يتعلق بشخص الغاصب أو المغصوب، بل يتعلق بحرمة الفعل نفسه، ولا يستثنى من ذلك إلا كون المغصوب محرمًا كالخمر إذا غصبها من مسلم، أما إن غصبها من غير المسلم ذمي أو مستأمن وجب ضمانها عليه، أو على المشتري.
وكما يحرم شراء المال المغصوب فإنه يحرم أكله أو شربه إذا كان مما يؤكل أو يشرب، كما يحرم استعماله فيما يُستعمل فيه، فلا يصح لمن علِم بغصب السيارة ركوبها، أو قضاء حاجته عليها، ولو كان المشتري قد دفع فيها ثمنًا.
فإن قال قائل: وكيف يعرف المال المغصوب، خاصة عندما يصعب تحديد الأمر على نحو بين، فقد تكون السيارة مثلًا في معرض للبيع، أو في يد بائع معروف بالأمانة، أو تكون مغصوبة من مكان بعيد عن مكان البيع، ونحو ذلك مما قد لا يعرفه المشتري؟.
قلت: ويمكن الاستدلال على الغصب بعدة دلائل:
منها: رخص ثمن المغصوب، فالسيارة التي يَنْقُصُ ثمنها نقصًا بينًا قد تكون مغصوبة، والبيع الذي يتم بعيدًا عن عيون الناس مدعاة للشك فيه، والعين التي لا تتوافر فيها لوازمها الأساسية -كلوحة السيارة، أو رخصتها- قد تكون مغصوبة، والبائع الذي لا يُعْرف له مقر، أو لم يشتهر عنه التعامل في البضاعة محل البيع، قد يكون مدعاة للشك، وهكذا.
فإن قال قائل: وكيف يتسنى للمشتري معرفة المغصوب بناءً على الظن والاحتمال، بينما القاعدة براءة الذمة حتى يثبت العكس؟.
فالجواب عن هذا: أن المسلم مطلوب منه التحرز والاحتياط، واتقاء الشبهات، وإن من يتقِ الشبهات يستبرئْ لدينه وعرضه، ومن يقعْ فيها يقعْ في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه.
والله أعلم
([1]) أخرجه مسلم في كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال، صحيح مسلم بشرح النووي ج11 ص 169 – 170.