كتاب من الأخ عصام أ… خ… من الجزائر يسأل فيه عن مبطلات الوضوء.

ما هي مبطلات الوضوء

 الجواب: مبطلات الوضوء أو نواقضه مما اختلف فيه العلماء، فمنهم من جعل خروج الدم من الجسد غير مبطل له، ومنهم من جعله مبطلًا له. ومنهم من جعل مس المرأة ناقضًا للوضوء، ومنهم من يراه خلاف ذلك، ومنهم من جعل أكل لحم الإبل مبطلًا له، ومنهم من يراه غير ذلك([1]).

ولعل من المناسب الجمع بين أقوال المذاهب الأربعة مع الأخذ بالأحوط، خاصة أن الأمر يتعلق بالطهارة للصلاة التي يناجي فيها العبد ربه، مع عدم تكليف العباد بما لم يكلفهم الله به، فنقول يبطل الوضوء بثمانية:

الأول: ما يخرج من السبيلين: ويشمل ذلك البول والغائط،  والأصل فيه قول الله تعالى: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ}([2]). وقول رسول الله ﷺ: (ولكن من غائط وبول ونوم)([3]). كما يشمل ذلك المني والودي والمذي، والأصل فيه قول رسول الله ﷺ في المذي (منه الوضوء)([4]). وقوله: (اغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة)([5]). أما المني ففيه الغسل. ويشمل ما يخرج من السبيلين أيضًا الريح في حال الصوت أو الرائحة لقول رسول الله ﷺ: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا)([6]).

الثاني: خروج النجاسات من البدن: ويشمل ذلك البول والغائط قل أو كثر، كما يشمل الدم وما في حكمه إذا كان كثيرًا فإن كان قليلًا لم يبطل الوضوء، ومن ذلك خروج الدم من الدمل أو الجرح في رأس الأصبع أو نحوه، والمعيار في الكثير والقليل ما تستفحشه النفس فيراه الإنسان كثيرًا.

الثالث: النوم: ويشمل ذلك الذي لا يعرف الإنسان فيه نفسه، ولا يستطيع التحكم فيما يخرج منه، والأصل فيه قول رسول الله ﷺ: (العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ)([7])، أما إذا كان النوم يسيرًا كمن ينام قليلًا وهو جالس فلا يبطل ذلك وضوءه، لما روي أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعودًا ثم يصلون([8]). ويشمل النوم زوال العقل بحكم سكر أو جنون أو إغماء، فهذا في كل الأحوال مبطل للوضوء؛ لأن من يتعرض لهذا الزوال لا يعرف نفسه ولا يتحكم في حواسه.

الرابع: مس المرأة مع الشهوة: والأصل فيه قول الله تعالى: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء}([9]). وتقييد اللمس بالشهوة يقتضي عدم بطلان الوضوء إذا كان بدونها، لما روي أن رسول الله ﷺ قبّل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ([10]).

 الخامس: مس الرجل ذكره ومس المرأة فرجها دون حائل: والأصل في بطلان وضوء الرجل إذا مس ذكره، ما روته بسرة بنت صفوان أن رسول الله ﷺ قال: (من مس ذكره فليتوضأ)([11]). والأصل في بطلان وضوء المرأة إذا مست فرجها، ما روته أم حبيبة أن رسول الله ﷺ قال: (من مس فرجه فليتوضأ)([12])، وهذا يقتضي عموم الحكم للرجل والمرأة، وقيل إن كان اللمس عارضًا أي بدون قصد فلعل ذلك لا يبطل الوضوء، ولعل الأحوط في ذلك الوضوء([13]).

السادس: أكل لحم الإبل: والأصل فيه حديث جابر بن سمرة أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: (إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ)، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: (نعم توضأ من لحوم الإبل)([14]). ولحم الإبل يشمل -القليل والكثير منه كما يشمل كل أجزائها، سواء سميت في العرف لحمًا أم غيره- فما أكل منها أبطل الوضوء.

السابع: غسل الميت: وفيه قولان: قول بأنه يبطل الوضوء؛ لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء؛ لأن الغاسل ربما مس فرجه، وقيل إن غسله لا ينقض الوضوء لعدم نص فيه، وفي الأمر سعة([15]).

الثامن: الارتداد عن الدين: من تكلم بالكفر كمن جحد وجوب الصلاة، أو الزكاة أو أي ركن من أركان الإسلام، أو أنكر السنة، أو قال قولًا أو فعل فعلًا يخرجه عن الإسلام أصبح محدثًا، ومن أحدث لا يقبل الله منه صلاة([16]).

 وخلاصة المسألة: أن مبطلات الوضوء ثمانية هي: ما خرج من السبيلين، وما خرج من البدن من نجاسات، وزوال العقل من نوم أو إغماء أو سكر، ومس الرجل ذكره، ومس المرأة فرجها، ومس الرجل للمرأة بشهوة، وأكل لحم الإبل، وغسل الميت، والردة عن الدين.

([1]) الفتاوى الهندية، ج1 ص12-15، وبداية المجتهد لابن رشد، ج1 ص33-41، وأسهل المدارك للكشناوي، ج1 ص94-99، وانظر المهذب للشيرازي، ج1 ص22-24، والإنصاف للمرداوي، ج1 ص194-221، وانظر الكافي لابن قدامة، ج1 ص41-47.

([2]) سورة النساء من الآية 43.

([3]) أخرجه الترمذي في أبواب الطهارة، باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، سنن الترمذي، ج1

ص159، برقم (96)، وقال: حسن صحيح.

([4]) أخرجه مسلم في كتاب الحيض، باب المذي، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم ج2 ص139-140، برقم (303)..

([5]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب في المذي، سنن أبي داود، ج1 ص53، برقم (206)، قال العيني في نخب الأفكار، (١/٤٣٢): إسناده صحيح.

([6]) أخرجه البخاري، (٢٠٥٦)، وأخرجه مسلم (٣٦١)، لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عنه أنّ النبي ﷺ قال: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أم لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب إذا شك في الحدث، سنن أبي داود، ج1 ص45، برقم (177).

([7]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من النوم، سنن أبي داود، ج1 ص52، برقم (203)، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (٥٧٣١).

([8]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من النوم، سنن أبي داود، ج1 ص51، برقم(200)، صححه ابن الملقن في البدر المنير، (٢/٥٠٧).

([9]) سورة المائدة من الآية 6.

([10]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من القبلة، سنن أبي داود، ج1 ص45، برقم (178)، صححه شعيب الأرنؤوط في تخريج شرح السنة، (١/٣٤٦).

([11]) أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة، باب الوضوء من مس الذكر، سنن أبي داود، ج1 ص46، برقم (181)، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (١٨١).

([12]) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها، سنن ابن ماجة، ج1 ص161، برقم (481)، قال الألباني في صحيح ابن ماجه، (٣٩٥): صحيح لغيره.

([13]) انظر: المغني، ج1 ص240-243.

([14]) أخرجه ابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل، سنن ابن ماجة، ج1 ص166، برقم (494، 495، 497)، قال الألباني في إرواء الغليل، (١/١٩٤): إسناده صحيح.

([15]) انظر: المغني، ج1 ص256.

([16]) راجع المغني، ج1 ص238.