كتاب من الأخ‮/ ‬ش‮. ‬ر‮.. ‬من الجزائر عن حقيقة التوكل على الله‮‬‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‬حقيقة التوكل على الله.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

الجواب: التوكل على الله:الاعتماد عليه، والثقة فيما عنده فيما يبتغيه العبد من أمور الدنيا والآخرة. ولا يتحقق التوكل على الله إلا بأربعة شروط:

الشرط الأول: تقييد التوكل وحصره في الله تعالى، وفي هذا قال عز وجل:{وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ}  [هود:321]. وقال تعالى:{رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل:٩]. وهذا الحصر ينفي أي توكل على غير الله؛ فمن توكل على غيره في أي أمر من أمور الدنيا والآخرة، فليس هذا بمتوكل على الله، بل قد يقع في الشرك الأكبر، أو الأصغر حسب طبيعة فعله.

الشرط الثاني: الاعتقاد بأن الله هو القادر على تحقيق مطالب العبد وحاجاته، وأن كل ما يحصل له إنما هو بتدبير الله وإرادته. وفي هذا قال عز وجل:{وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُون} [إبراهيم:2١] . وقال تعالى على لسان نبيه شعيب:{وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب} [هود:٨٨] .

الشرط الثالث:اليقين بأن الله سيحقق للعبد ما يتوكل عليه فيه إذا أخلص نيته، واتجه إلى الله بقلبه. وفي هذا قال الله عز وجل:{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:٣]. وقال:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر:63] .

الشرط الرابع: عدم اليأس والقنوط فيما يتوجه به العبد إلى ربه من التوكل عليه في قضاء حاجاته، وفي هذا قال الله عز وجل:{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيم} [التوبة:921].

فاقتضى هذا أن التوكل على الله شرط من شروط الإيمان، وقد وصف الله المؤمنين بأنهم يتوكلون عليه، وأثنى عليهم في محكم كتابه، وعلى لسان رسوله محمد . أما كتابه فقوله جل ثناؤه:{وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون} [إبراهيم:١١]. وقوله عز من قائل:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون} [الأنفال:٢] . إلى قوله:{أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم} [الأنفال:٤]. وقوله تقدست أسماؤه:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل*فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيم}[آل عمران:371–471] .وأما وصف رسول الله r وثناؤه على المتوكلين، فما رواه عبدالله ابن مسعود  عن النبيr أنه قال:(أُرِيتُ الأمم بالموسم فرأيت أمتي قد ملؤوا السهل والجبل، فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم، فقيل لي، أرضيت؟ قلت:نعم، قيل:إن مع هؤلاء سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب)، قيل من هم يا رسول الله؟ قال:(الذين لا يكتوون، ولا يتطيرون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون) الحديث)([1]). وما رواه عمر بن الخطاب  أن رسول اللهr قال:(لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)([2]). وما رواه أيضاً عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول اللهrكان يقول:(اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت ..)([3]).

قلت:والتوكل على الله يعد بلا ريب قوة دفع للمؤمن في حياته؛ فهو حين يؤمن أن توكله على الله يحقق له مطلبه ومبتغاه، فإنه لن يتردد في العمل من أجل هذا المطلب؛ ذلك أن النفس عند إرادتها عملاً مّا تحتاج إلى قوة دفع من داخلها؛ ألم تر أن المرء عندما يواجه ظرفاً أو موقفاً غير عادي تبدأ أحاسيسه ومشاعره ومختلف قواه تتحفز لمواجهة هذا الموقف؛ فيكون جهده فيه أكبر من جهده في الأحوال العادية، فإذا توكل العبد على الله مخلصاً من قلبه في هذا التوكل مستشعراً في نفسه عظمة المتوكل عليه، قويت أحاسيسه ومشاعره بل وسائر قواه للقيام بأي عمل مهما كانت أخطاره؛ فمثلاً المجاهد ومن في حكمه حين يضع نصب عينيه قول الله عز وجل:{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون}[التوبة:15]. يتحفز للقتال دون أن يستشعر في نفسه احتمالات الخطر. والعامل كذلك في قيادة الطائرة أو السفينة أو ما في حكمهما، حين يتوكل على الله يمنحه هذا التوكل قوة العمل، مهما كانت احتمالات الأخطار التي قد يتعرض لها. ومثله الفلاح والصانع حين يتوكلان على الله في البحث عن رزقهما، فإنهما ينسيان احتمالات فساد الزرع أو فشل الصناعة. وهكذا يكون التوكل على الله قوة دفع يتميز بها المسلم على غيره إذا أخلص فيه. ولا ريب في أن الله يحقق للمتوكل عليه ما يبتغيه من التوكل عليه؛ لأن ذلك عهد منه في قوله عز وجل:{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:٣]. وعهد الله لا مخلف له، ولا مرد له.

والتوكل على الله ليس مجرد قول بلا عمل، وإنما هو عمل من وجهين:

الوجه الأول: أن التوكل في ذاته عمل يقتضي -كما ذكر آنفاً- الإيمان المطلق بأن المتوكل عليه -وهو الله- يكفي المتوكل وهو العبد، ويقيه ما يحذر منه، ويجعل له مخرجاً من كل عسر وضيق، وهو ما ذكره عز وجل في قوله:{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ}  [الطلاق:٢ – ٣]. والتقوى هنا عمل؛ فالصلاة عمل، والزكاة عمل، والمأمورات كلها أعمال؛ فلا تتحقق التقوى، ولا يتحقق التوكل إلا بالعمل بما أُمِرَ به العبد، والكف عما نُهِي عنه.

الوجه الثاني: أن التوكل على الله يقتضي فعل الأسباب؛ فالمتوكل حقيقة ليس بمتواكل، فمن يكل أمره إلى غيره فليس بمتوكل على الله وإنما هو ضعيف وعاجز؛ لأن الله جعل لعباده إرادة ينطلقون منها في فعل ما أمروا به، وما يحتاجون إليه في أمور دنياهم. كما أنه عز وجل حين هيأ لهم أسس حياتهم أمرهم بفعل الأسباب فيها، وهذا الأمر إما أن يكون صريحاً كقول الله في حال الجهاد:{تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [البقرة:591]. ففي هذا أمر بالحذر حين قتال العدو؛ والحذر بمعنى السبب. وكقوله عز وجل في الأكل من الطيبات:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [البقرة:271]. ففي هذا أمر بالأكل،  وأمر أن يكون هذا الأكل من الطيبات، ولا يكون هذا إلا بسبب وجهد عقلي وبدني.

وقد يكون الأمر بفعل الأسباب من الأمور العقلية اللازمة لفعل الشيء ذاته؛ فمن يمشي على الأرض لا بد أن يلبس ما يقي رجليه وجسمه من حرارة الشمس، أو قسوة البرد، أو مصاعب الطريق. وقد يكون الأمر بفعل الأسباب مما تقتضيه طبيعة الشيء وسلامته، فمن يقود الطائرة -مثلاً- عليه أن يتأكد من سلامتها، وسلامة تجهيزاتها قبل أن يبدأ الطيران، وهكذا في الأمور المماثلة.

وقد دلت سنة رسول الله r على فعل الأسباب، منها حديث  المغيرة ابن أبي قرة السدوسي أنه سمع أنس بن مالك يقول:قال رجل يا رسول الله أعقلها وأتوكل (يقصد الناقة) أو أُطلقها وأتوكّل؟ قال:(اعقلها وتوكل)([4]). وفي مسألة فعل الكسب بالسبب حديث أبي هريرة  أن رسول اللهr قال:(لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه)([5]). وحديث المقداد  عن النبي rأنه قال:(ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وأن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده) ([6]).

وحديث عائشة -رضي الله عنها- أن أصحاب رسول اللهr كانوا عمال أنفسهم فكان يكون لهم أرواح فقيل لهم لو اغتسلتم([7]).

وخلاصة المسألة: أن التوكل على الله يعني الاعتماد عليه، والثقة فيما عنده، فيما يبتغيه العبد من أمور الدنيا والآخرة. ولا يتحقق التوكل على الله إلا بأربعة شروط:الأول- تقييد التوكل وحصره في الله تعالى. الشرط الثاني:الاعتقاد بأن الله هو القادر على تحقيق مطالب العبد وحاجاته، وأن كل ما يحصل له إنما هو بتدبير الله وإرادته. الشرط الثالث:اليقين بأن الله سيحقق للعبد ما يتوكل عليه فيه إذا أخلص نيته واتجه إلى الله بقلبه. الشرط الرابع:عدم اليأس والقنوط فيما يتوجه به العبد إلى ربه من التوكل عليه في قضاء حاجاته. وقد وصف الله المؤمنين بأنهم يتوكلون عليه، وأثنى عليهم في محكم كتابه وعلى لسان رسوله محمدr.

والتوكل على الله يعد قوة دفع للمؤمن في حياته؛ فهو حين يؤمن أن توكله على الله يحقق له مطلبه ومبتغاه، فإنه لن يتردد في العمل من أجل هذا المطلب، مهما كانت أخطاره.

والتوكل على الله ليس مجرد قول بلا عمل، وإنما هو عمل من وجهين:

الأول:أن التوكل في ذاته عمل يقتضي الإيمان المطلق، بأن المتوكل عليه -وهو الله- يكفي المتوكل وهو العبد، ويقيه ما يحذر منه، ويجعل له مخرجاً من كل عسر وضيق؛ فالتوكل عبادة وتقوى، ولا تتحقق العبادة إلا بالعمل؛ فالصلاة عمل، والزكاة عمل، وهكذا.

الوجه الثاني: أن التوكل على الله يقتضي فعل الأسباب، فالمتوكل حقيقة ليس بمتواكل يكل أمره إلى غيره، فمن يفعل ذلك فهو ضعيف وعاجز. وقد دلت سنة رسول الله e على فعل الأسباب في أحاديث كثيرة.

([1]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، ج١ ص٣٠٤.

([2]) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد، باب في التوكل على الله، سنن الترمذي، ج٤ ص٥٩٤، برقم (٤٤٣٢)، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد، باب التوكل واليقين، سنن ابن ماجة، ج٢ ص٤٩٣١، برقم (٤٦١٤).

([3]) متفق عليه، انظر: رياض الصالحين للإمام النووي، باب في اليقين والتوكل، ص٢٤.

([4]) أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة، باب حديث: أعقلها وأتوكل، سنن الترمذي، ج٤ ص٦٧٥ ، برقم (٧١٥٢) .

([5]) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، فتح الباري، ج٤ ص٥٥٣، برقم (٤٧٠٢).

([6]) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، فتح الباري، ج٤ ص٥٥٣، برقم (٢٧٠٢) .

([7]) أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده، فتح الباري، ج٤ ص٥٥٣، برقم (١٧٠٢) .