كتاب من الأخ‮/ ‬س ج‮ … ‬حكيمة من الجزائر العاصمة،‮ ‬يسأل فيه عن حكم الذين‮ ‬يقومون بجمع الأموال لشراء واحدة أو أكثر من بهيمة الأنعام،‮ ‬لذبحها عند قبر‮ ‬يسمى صاحبه وليًا‮ ‬أو صالحًا،‮ ‬بحجة التقرب إليه. ‬كما‮ ‬يسأل عن حكم إعطاء المال لهؤلاء لهذا الغرض؟‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

حكم جمع الأموال لشراء الأنعام وذبحها عند القبور

الجواب:  هذا العمل محرم قطعًا، لما ينطوي عليه من الشرك بالله، والأصل في تحريمه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. أما الكتاب: فقول الله تعالى لنبيه: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِين}  [الأنعام: 162 – ١٦٣]، وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِير}  [سبأ: ٢٢]. ففي الآية أمر من الله عز وجل لنبيه (وهو أمر لأمته) أن يقول للمشركين الذين يذبحون لغير الله من الأوثان والأصنام: إنه يخالف فعلهم، وإن صلاته ونسكه خالصة لله وحده لا شريك له. وفي الآية الثانية أمر أيضًا من الله لنبيه وأمته أن يطلب من المشركين بأن يَدْعُوا أوثانهم وأصنامهم، ويروا ما إذا كانوا ينفعونهم، وهذا محال؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم مثقال ذرة في السموات والأرض.

وأما السنة: فما رواه طارق بن شهاب أن رسول الله r قال: (دخل الجنة رجل في ذباب، ودخل النار رجل في ذباب) فقالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال: (مر رجلان على قوم لهم صنم، لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئًا، فقالوا لأحدهما: قرِّب، قال: ليس عندي شيء أقرِّبه، قالوا له: قرِّب ولو ذباباْ، فقرب ذباباْ، فخلوا سبيله فدخل النار. وقالوا للآخر قرِّب. قال: ما كنت لأقرِّب لأحد شيئاْ دون الله عز وجل، فضربوا عنقه، فدخل الجنة)([1]). وما رواه علي بن أبي طالبt قال: حدثني رسول الله r بأربع كلمات (.. لعن الله من ذبح لغير الله ..) الحديث([2]).

وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في سلفها وخلفها على أن الذبح لغير الله يعد شركًا؛ لأنه لا إلَه إلا الله المستحق وحده للعبادة؛ فمن ذبح لغيره، أو دعاه رجاء نفعه أو ضره، ومن استعاذ به أو استغاث به، أو رجاه في حاجته فقد أشرك مع الله غيره، فاقتضى هذا تحريم صرف كل هذه الأفعال ونحوها لغير الله؛ فمن صرفها لغيره فقد أتى بابًا عظيمًا من أبواب الشرك.

وفي هذا قال الإمام صنع الله الحنفي: «وقد ظهر الآن فيما بين المسلمين جماعات يدَّعون أن للأولياء تصرفات بحياتهم وبعد مماتهم، ويستغاث بهم في الشدائد والبليات، وبهممهم تكشف المهمات، فيأتون قبورهم وينادونهم في قضاء الحاجات؛ مستدلين أن ذلك منهم كرامات. وقالوا: منهم أبدال ونقباء، وأوتاد ونجباء، وسبعون وسبعة، وأربعون وأربعة، والقطب هو الغوث للناس، وعليه المدار بلا التباس، وجوزوا لهم الذبائح والنذور، وأثبتوا لهم فيهما الأجور، قال: وهذا كلام فيه تفريط وإفراط، بل فيه الهلاك الأبدي والعذاب السرمدي، لما فيه من روائح الشرك المحقق، ومصادمة الكتاب العزيز المصدق، ومخالفة لعقائد الأمة. وما اجتمعت عليه الأمة وفي التنزيل {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء: 511] .ثم قال: فأما قولهم: إن للأولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات؛ فيرده قول الله تعالى: {أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ} [النمل: 06]. وقوله: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: 45]. وقوله: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الحديد: 2]. ونحوها من الآيات الدالة على أنه المنفرد بالخلق والتدبير والتصرف والتقدير، ولا شيء لغيره في شيء ما بوجه من الوجوه، فالكل تحت ملكه وقهره تصرفًا وملكًا وأمانة وخلقًا»([3]).

كما ذكر الإمام ابن تيمية في الرسالة السنية: «أن كل من غلا في نبي أو رجل صالح، وجعل فيه نوعًا من الألوهية، مثل أن يقول: يا سيدي فلان انصرني أو أغثني أو ارزقني أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال فكل هذا شرك وضلال، يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل، فإن الله سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب، ليعبد وحده لا شريك له، ولا يدعى معه إلَه آخر، والذين يدعون مع الله آلهة أخرى مثل المسيح والملائكة والأصنام لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق، أو تنزل المطر أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم أو يعبدون قبورهم أو يعبدون صورهم، يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3]. ويقولون: {وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ} [يونس: 81]. فبعث الله سبحانه رسله تنهى عن أن يدعى أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة»([4]).

وأما المعقول: فإن الميت في قبره لا يملك لنفسه شيئًا، فاقتضى هذا عقلًا أنه لا يملك -من باب أولى- لغيره شيئًا؛ ولأن الله هو الخالق وحده، وأنه المهيمن على المخلوقين في حياتهم ومماتهم، فإن في الرجوع إليهم في جلب النفع أو دفع الضر مخالفة للعقل، ناهيك ما فيه من استحالة تحقيق المطلوب منهم، وهو ما أكده الله عز وجل في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ} [الحج: 37].

وعلى هذا، فإن الذبح عند القبر بقصد النفع من صاحبه يعد من الشرك، وقد توعد الله بعدم المغفرة لمن يشرك به، فقال عز وجل: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا} [النساء: 611]. وقال عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُون} [الأنعام: 88]. وقال عز من قائل: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 27]. وقال جل ثناؤه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين} [الزمر: 56]. والآيات في تحريم الشرك وعظم عقابه في كتاب الله كثيرة.

أما في السنة، فقول رسول الله ﷺ: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر) ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله ..) الحديث ([5]). ومارواه أبو هريرة t أنَّ رسول اللهr قال: (فمن عمل عملاْ أشرك فيه غيري، فأنا منه بريء، وهو للذي أشرك)([6]). وفي رواية أخرى قال r: (قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك. من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشركه)([7]).

قلت: وقد شاع في بعض بلاد المسلمين بدع أبعدت طوائف من المسلمين عن حقيقة دينهم، فصاروا يلجؤون إلى القبور يستنجدون بمن فيها، ويتبركون بهم ظنًّا أن ذلك يقربهم إلى الله، وهذا من الوهم والخطأ الفاحش؛ فدين الإسلام بيّن كل البيان، واضح كل الوضوح؛ فليس بين الله وعباده واسطة ولا حجب، فقد وعدهم بأنه قريب منهم، يسمع مناجاتهم ويستجيب لدعائهم، فقال عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 681]. وكما وعدهم بإجابة دعائهم أمرهم بدعائه لكي يستجيب لهم، فقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين} [غافر: 06].

وقد توهم كثير من العامة في بلاد المسلمين أن بعض قبور الأنبياء والصحابة أو الصالحين موجودة في بلدانهم، فصاروا يتبركون بها، ويَدْعُون عندها، بل إن منهم من يرى أن زيارتها واجب من الواجبات، وأن لهذه الزيارة تأثيرًا على صحتهم وقضاء حوائجهم، ثم ينسجون حول ذلك حكايات وأساطير يصدقها من يستمع لهم، فيفعل مثلما يفعلون، وهذا في مجمله خطأ وغلط فاحش يخالف ما أنزل الله في كتابه، وما جاء على لسان رسوله محمد r ، وما عليه صحابة رسول الله والسلف الصالح من الأمة.

وينبني على ما سبق أن ما يفعله المشار إليهم في السؤال من الذبح عند القبور محرم، ويعد من الشرك الذي توعد الله فاعله بالعقاب وعدم المغفرة، وعليهم أن يتوبوا من ذلك عسى الله أن يتوب عليهم.

وأما سؤال الأخ السائل عن حكم إعطاء المال لهؤلاء فهو أيضًا محرم، لما فيه من أكل المال بالباطل، الذي نهى الله تعالى عنه بقوله: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون}  [البقرة: 188]. كما أنه يعد من باب التعاون على الإثم والعدوان الذي نهى الله عنه بقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

وخلاصة المسألة: أن الذبح لغير الله محرم قطعًا، والأصل في تحريمه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول. فأما الكتاب: فقول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} [الأنعام: 261]. وأما السنة: فقول رسول اللهr : (لعن الله من ذبح لغير الله ..). وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في سلفها وخلفها على أن الذبح لغير الله يعد شركًا؛ لأنه لا إلَه إلا الله المستحق وحده للعبادة؛ فمن ذبح لغيره، أو دعاه رجاء نفعه أو استعاذ به، أو استغاث به، أو رجاه في حاجة، فقد أشرك مع الله غيره. وقد توعد الله بعدم المغفرة لمن يشرك به بقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 611].

وقد شاع في بعض بلاد المسلمين بدع أبعدت طوائف من المسلمين عن حقيقة دين الله؛ فصاروا يلجؤون إلى القبور يستنجدون بمن فيها، ويتبركون بهم ظنًّا أن ذلك يقربهم إلى الله، وهذا من الوهم والخطأ الفاحش؛ فليس بين الله وعباده واسطة ولا حجب. وعلى هذا فإن ما يفعله المشار إليهم في السؤال من الذبح عند القبور، مخالف لما أنزل الله في كتابه وما جاء في سنة رسوله، بل هو من الشرك الذي توعد الله فاعله بالعقاب، وعليهم أن يتوبوا من هذا العمل المحرم عسى الله أن يتوب عليهم. أما حكم إعطاء الأموال لهؤلاء فهو أيضًا محرم لما فيه من أكل المال بالباطل، والتعاون على الإثم والعدوان الذي حرمه الله.

 

([1]) أخرجه الإمام أحمد في الزهد (رقم 48) موقوفاً. وصحح إسناده الألباني في السلسلة الضعيفة (21/ 127 رقم 9285).

([2]) أخرجه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي ج7 ص78-79، رقم الحديث (1978).

 

([3]) الرد على من ادعى أن للأولياء تصرفات في الحياة وبعد الممات على سبيل الكرامات، نقلاً عن فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، للشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ ص٦٤١

([4]) الرسالة السنية نقلاً عن فتح المجيد ص٥٤١.

([5]) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر، فتح الباري ج٠١ ص٩١٤، رقم الحديث (٦٧٩٥).

([6]) أخرجه مسلم (٢٩٨٥)، أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد، باب الرياء والسمعة، رقم الحديث (٢٠٢٤)، سنن ابن ماجة ج٢ ص٥٠٤.

([7]) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمل غير الله، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم ج٩ ص٢٥٤-٣٥٤، رقم الحديث (٥٨٩٢).