الجواب: الخوف الرعب من شيء ظاهر أو مستتر؛ فالظاهر مما تشهده النفس علانية، كالخوف من حيوان أو عدو قائم. والمستتر ما تشعر به من شيء غير ظاهر، كالخوف من الشيطان، أو أحد أوليائه؛ ذلك أن الشيطان يتسلط على الإنسان فيخوفه حتى ينقاد له ويتبعه؛ فيخوفه -مثلًا- من الفقر والفاقة، حتى يزين له السرقة والرشوة، والبخل، وأكل المال الحرام. ويخوفه من العار فيقتل ابنته الوليدة كما كان الحال في الجاهلية. ويخوفه من اتباع سبيل المؤمنين بما يوسوس في نفسه ضدهم، حتى يكون من بين أوليائه.
وقد بيَّن الله حال الشيطان هذه في قوله -عز وجل-: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين} [آل عمران: 571]. والمعنى في هذا كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما- (يخوفكم أولياءه) أي (بأوليائه) أو (من أوليائه) فحذف الجر ووصل الفعل إلى الاسم فنصب كما قال تعالى: {لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا} أي لينذركم ببأس شديد([1]).
والخوف على خمسة أوجه: الوجه الأول: الخوف من الله وحده وهذا أمر منه لعباده أن يكون خوفهم منه لا من غيره، لقوله -عز وجل-: {وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين}، وقوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُون} [البقرة: 04]. وقوله تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: ٤٤]. وقد بيّن الله -عز وجل- أن الخوف من صفات المؤمنين، كما قال تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل} [آل عمران: 371]. وقوله تعالى: { وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُون} [الأنبياء: 82] .
الوجه الثاني: الخوف من الشيطان بما يوسوس به في النفوس من اتباع الهوى، والبعد عن سبيل الله، وسبيل أنبيائه؛ فيسول للناس فعل المحرمات، ويحل لهم الحرام ويحرم عليهم الحلال، ويعدهم الوعود الكاذبة، ويمنيهم الأماني المضلة حتى يقعوا في معصية الله، ويزين لهم ارتكاب الفواحش والمنكرات. ولهذا حذّر الله -عز وجل- المؤمنين منه في قوله -عز وجل-: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين} [البقرة: 861]. وقوله عز وجل: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} [النساء: 021]. وقوله تعالى: {وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [النور: 12]. وقوله جل ثناؤه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير} [فاطر: 6].
وقد أمر الله بالتعوذ من الشيطان ونزغاته، فقال عز من قائل: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم} [الأعراف: 002]. وقال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُون} [النحل: 89–001]. والآيات في التحذير من الشيطان وما يفعله من إغواء الإنسان، وصده عن الحق كثيرة.
الوجه الثالث: الخوف من أولياء الشيطان: أولياء الشيطان جنده وخاصته من الجن والإنس، وكما يعمل على إضلال الإنسان وصده عن سبيل الله يأمر أولياؤه بمثل ما يفعله، وهذا هو ما بينه الله في الآية السابقة في قوله عز وجل: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين} [آل عمران: 571]. وهؤلاء يتلونون في صور كثيرة؛ تارة بالغواية وتزيين الباطل وارتكاب الفواحش، كما يفعله المحرضون على الزنا، وتارة بتزيين المحرم كما يفعله السحرة والمشعوذون بالجهلة، لسلب أموالهم. وتارة بالوسوسة في النفوس، وإدخال الشبه والريب عليها، للتحلل من القيم والأخلاق، كما يحدث من بعض العاملين في وسائل الإعلام من الانحراف في أفكارهم، وثقافتهم.
وقد حذّر الله من أولياء الشيطان في كتابه، وأمـر بمقاتلتهـم ومغالبتهم، فقال تعالى: {فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 67]. وقال عز من قائل: {أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُون} [المجادلة: 91].
الوجه الرابع: الخوف من الناس بترك أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر، كما كان حال الذين كفروا من بني إسرائيل؛ فقد أخبر الله تعالى أن من أسباب اللعنة التي حلت بهم في قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ } [المائدة: 87] عدم تناهيهم فيما بينهم عن فعل المنكر؛ فكان بعضهم لا ينهى بعضًا إما لخشيته أو لمداراته، أو لمودته. وفي هذا قال رسول الله r: (أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، أنه كان الرجل يلقى الرجل، فيقول: يا هذا اتق الله، ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه وقعيده. فلما فعلوا ذلك، ضرب الله قلوب بعضهم ببعض..) الحديث ([2]).
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذا رأيت المنكر ألا تغيره؟ فيقول: يا رب خشية الناس، فيقول: إياي كنت أحق أن تخشى)([3]).
الوجه الخامس: الخوف من الظلمة في صدهم عن سبيل الله. إن واجب المسلم أن تكون خشيته لله، وخوفه منه، وطاعته له. كما أن من واجبه ألا يصده أحد عن ذكر الله، وألا يتبع غير سبيل المؤمنين. والوسائل التي يصد بها الظلمة عن سبيل الله كثيرة، منها: منعهم للمؤمنين من عبادة الله وطاعته، كما يفعله الظلمة في بعض بلاد المسلمين في هذا الزمان، من منع الشباب من الصلاة في المساجد، وقصر المصلين فيها على المسنين. ومنها منع بعض الظلمة للمرأة المسلمة من الحجاب، كما هو واقع في بعض بلاد المسلمين. ومنها تطبيق القوانين لوضعية وإبعاد أحكام شريعة الله عن حياة المسلمين، ونحو ذلك مما هو واقع ومشهود في بعض بلاد الأمة؛ مما يتعارض كلية مع أوامر الله وأحكام شريعته.
وعلى المسلم في هذه الحال أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويحذر منه حسب قدرته، إما بالفعل، أو باللفظ، فإن لم يستطع بسبب ظالم قاهر لا يقدر على مغالبته، فعليه الإنكار بقلبه، عملًا بقول رسول اللهr : (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)([4]).
وخلاصة المسألة: أن الله عز وجل بيَّن أن الشيطان يخوف المؤمنين بواسطة أوليائه. وأمر عز وجل بعدم الخوف منهم، فقال تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين} [آل عمران: 571].
والخوف على خمسة أوجه: أولها: الخوف من الله وحده، وهذا أمر منه لعباده أن يكون خوفهم منه، وليس من أحد غيره. وثانيها: الخوف من الشيطان بما يوسوس به في النفوس من اتباع الهوى، وارتكاب المحرمات، وقد حذر الله منه في آيات كثيرة من كتابه. وثالث الوجوه: الخوف من أولياء الشيطان، وهؤلاء هم جنده وخاصته من الجن والإنس، وقد حذّر الله منهم في كتابه. ورابع الوجوه: الخوف من الناس بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إما لخشيتهم، أو لمداراتهم، فهذا من المحرمات؛ لأن الخوف لا يكون إلا من الله، ولا تكون الخشية إلا منه. أما خامس الوجوه: فهو الخوف من الظلمة في صدهم عن سبيل الله. وواجب المسلم في هذه الحال أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، لا يخشى في الله لومة لائم، حسب قدرته، إما بالفعل أو باللفظ، فإن لم يستطع بسبب قوة ظالم قاهر فعليه الإنكار بقلبه.
([1]) الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي، ج٤ ص٢٨٢.
([2]) أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، سنن أبي داود، ج٤ ص١٢١، برقم (٦٣٣٤)، ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (٤٣٣٦).
([3]) أخرجه ابن ماجة في كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سنن ابن ماجة، ج٢ ص٨٢٣١، برقم (٨٠٠٤). فاقتضى هذا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين على من يقدر عليه، ولم يكن ثمة غيره يقوم به. والقدرة مشروطة بأمن الضرر على النفس وإلا فيكون الإنكار بالقلب.
([4]) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأنّ الإيمان يزيد وينقص، وأنّ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجبان، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي، ج١ ص٠٥٢، رقمه (٨٧).