سوال من الأخت فاطمة في أوربا تقول فيه: إن زوجي يعمل طبيبًا في بلاد غربية، وفي كل شهر يتقاضى مرتبًا يختلف باختلاف مقدار عمله، وكل مرتب نعيش منه والزيادة منه توضع في البنك، فكيف تخرج الزكاة، أتحسب كل شهر أم كل عام؟

زكاة راتب الموظف وما في حكمه

الراتب المنتظم أو الأجر المتقطع يمثل دخلًا ماليًّا لأصحابه، ويتفاوت هؤلاء في الادخار وعدمه، ويسمى هذا كسبًا أو مالًا، تجب فيه الزكاة متى تحققت شروطها، والسؤال هو عما إذا كانت هذه الزكاة تستحق بعد استحقاق الراتب أو الأجر مباشرة أم بعد مضي الحول عليه؟

للفقهاء في ذلك رأيان: الأول:- يقول بوجوب زكاته بعد استحقاقه وتملكه، وقد صح هذا عن عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- ومنهم ابن عباس وابن مسعود ومعاوية([1])، ويبني على هذا القول أن على الموظف أن يزكي راتبه أو أجره بعد تملكه، وعلى الطبيب زكاة أجره حال تسلمه، ومثلهما المهني والصانع.

الرأي الثاني:– يقول بعدم وجوب الزكاة فيما ذكر إلا بعد مضي الحول عليه، وقال بهذا أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب، وأم المؤمنين عائشة وابن عمر -رضي الله عنهم- كما قال به عدد من التابعين منهم عمر بن عبدالعزيز وعطاء والنخعي وسالم، كما قال الإمامان أبو حنيفة ومالك على تفصيل لهما فيه، كما قال به أيضًا الإمام ابن حزم([2])، وبحسب هذا القول على الموظف وما في حكمه مما ذكر أن ينتظر تمام الحول على تملكه للراتب، ثم يزكيه متى بلغ نصابًا وتوافرت فيه الشروط الأخرى، ولكل من هذين القولين حجته البالغة؛ ففي القول الأول فائدة كبرى لمستحقي الزكاة، حيث يجدون كل شهر مبلغًا من المال يساعدهم في حاجاتهم الآنية، خاصة في هذا الزمان الذي تتعدد فيه الحاجات اليومية.

قلت: ويتأيد الرأي الأول بقول الله تعالى: {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام:141].

فحصاد راتب الموظف وأجرة المهني يتحقق باستلامه، ولو أخذ المسلمون بهذا القول، فأخرجوا زكاة ما يحصلون عليه من راتب أو أجر بعد تملكهم، لم تكن حال المسلمون كما الحال من الحاجة والضيق في العيش، وفرار أولادهم إلى بلاد الغربة، وما يقاسونه فيها من النصب والبعد عن الأهل والأوطان.

أما القول الثاني ففيه تيسير للموظف ومن في حكمه؛ لأنه لا يعرف ما سينفق على معاشه وحاجاته، فقد يستهلك راتبه أو أجره كله أو يستهلك معظمه، فحاجاته في طعامه وشرابه وكسائه مقدم على الزكاة، وهذا من رأفة الله ورحمته -عز وجل- بعباده. والمهم في هذا أن يخرج الموظف -ومن في حكمه- زكاة ما يكون لديه من مال بعد مضي الحول، وبلوغ هذا المال النصاب وقدره.

وعلى هذا، فالجواب للأخت السائلة أن تختار وزوجها، إما إخراج ما يملكه زوجها من راتب أو أجر، بعد استحقاقه كل شهر، أو بعد كل مدة معينة، وإما أن يخرج ما يتوافر لديه من هذا الراتب أو الأجر بعد مضي الحول عليه، وبلوغه النصاب الشرعي.

([1]) انظر: المحلي لابن حزم ج6 ص83-85. ومعجم فقه السلف للمنتصر الكتاني ج3 ص168.

([2]) المغني والشرح الكبير ج2 ص498. وبدائع الصنائع ج2 ص13. وشرح فتح القدير ج2 ص195.