الأصل أن الغصب محرم؛ لأنه تعدٍّ على مال الغير دون سبب مشروع، والأصل في تحريمه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
أما الكتاب: فقول الله -تعالى-: {وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون} [البقرة: 188]، وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء: 29].
وأما السنة: فقول رسول الله -ﷺ-: (من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا طوقه من سبع أرضين يوم القيامة)([1])، وقوله: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه منه)([2])، وقوله: (وليس لعرق ظالم فيه حق)([3])، وقوله -عليه الصلاة والسلام- في خطبته الجامعة في حجة الوداع: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا)([4]).
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في سلفها وخلفها على تحريم الغصب، مع بعض التفصيل في فروعه.
وأما المعقول: فإن من مسلمات العقل أن صاحب المال يختص بماله وحده؛ لأنه ثمرة جهده وعمله، فمن تعدى عليه فقد تعدى على حق لا يملكه، فيكون مغتصبًا له؛ مما يقتضي قسره على رده إلى صاحبه.
ويعلق بالمسألة أمران:
الأول: ما مناطه الغاصب.
والثاني: ما مناطه المغصوب منه.
فالغاصب يرتكب ما حرمه الله عليه، وهو مال غيره، وقد حرم الله على عباده على التأبيد أكل الحرام، وتوعد آكليه بالعذاب في قول رسول الله -ﷺ-: (أيما لحم نبت من حرام فالنار أولى به)([5])، وقوله في (الرجل الذي يمد يديه إلى السماء، ويقول: يا رب!، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب له)؟([6]).
وأما ما مناطه المغصوب منه فإن حقه متعلق بكل مال غصب منه، سواء كان هذا المال أصلًا أم فرعًا من هذا الأصل، فمن غصب أرضًا فهي للمغصوب بكل ما فيها من شجر أو حجر أو نبات أو ثمرة، ومن غصب مركبة، وأجرها فلصاحبها أصلها، وما تولد عنها، وما نقص منها فعلى الغاصب قيمة هذا النقص، ومن غصب دارًا وأجرها فهي لصاحبها أصلًا وإجارة ..، وهكذا في المسائل المماثلة.
وينبني على هذا أن لصاحب الأرض في المسألة الحقَّ في المبلغ الذي تقاضاه الغاصب من إجارة الأرض، ولا حجة لما ادعاه من إقامة المنشآت عليها؛ لأنها جزء من الغصب، فهي عرق ظالم، وليس للعرق الظالم حق، والأمر في القضية يعود للقضاء، ومن حق المغتصب منه استعداء ولي الأمر على الغاصب لرد ما غصبه.
والله -تعالى- أعلم.
([1]) أخرجه مسلم في كتاب المساقاة، باب تحريم الظلم وغصب الأرض وغيرها، برقم (1610)، صحيح مسلم بشرح النووي ج7 ص4372.
([2]) أخرجه ابن الملقن في تخريج الأحاديث في الشرح الكبير، ج6 ص695، والبيهقي في شعب الإيمان ج7 ص347، قال ابن المنذر في الأوسط لابن المنذر، (١٢/٣٢٥).
([3]) أخرجه البخاري في كتاب الحرث والمزارعة، باب من أحيا أرضًا مواتًا، فتح الباري ج5 ص23.
([4]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الخطبة أيام منى، برقم (1739)، فتح الباري ج3 ص670.
([5]) أخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب الأطعمة، برقم (7164)، ج4 ص141، والطبراني ج4 ص413، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم، (١/٢٦٠): إسناده فيه نظر.
([6]) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، برقم (1015)، صحيح مسلم بشرح النووي ج4 ص2797.