سؤال يقول صاحبه: إن زوجته تذكر له ما تسرها به صديقتها من أسرار عن زوجها وحياتهما الزوجية، ويخشى صاحب السؤال أن زوجته تفعل مثلما تفعل صديقتها، ويسأل عن الحكم في ذلك.

واجب الزوجين في عدم إفشاء أسرارهما الزوجية

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:

فالأصل أنه يجب على من يعرف سرًّا في أي أمر ألا يبوح به لأحد، ما لم يكن ذلك بسبب شرعي موجب، ويشمل ذلك كل سر يعرفه الإنسان، سواء كان طبيبًا أو موظفًا أو عاملًا أو حارسًا، أو أي إنسان مؤتمن على أمر مَّا.

وسر الزوج وزوجته من أهم الأسرار، التي يجب كتمانها عن غيرهما؛ لمناطه بالحكم الشرعي ومناطه بالأخلاق والآداب.

فأما ما مناطه الحكم الشرعي، فمن وجهين:

الوجه الأول: أنه سر لا يجب نشره؛ لأن في هذا النشر تعديًا على صاحبه؛ لكونه بدون إذنه، والتعدي أيًّا كان مسماه من المحظورات؛ لقول الله -عز وجل-: {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين} [المائدة: 87]، وقد نعت رسول الله ﷺ نشر الزوج لسر زوجته ب(الشر) في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه ثم ينشر سرها)، وفي لفظ آخر: (إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)([1]).

الوجه الثاني: أن السر بمثابة الأمانة، والأمانة تقتضي حكمًا الحفظ، سواء كان هذا الحفظ ماديًّا كحفظ المال أو المتاع، أم معنويًّا كحفظ السر؛ فمن نشر سرًّا يعلمه فقد خان أمانته، وهذه الخيانة من علامات النفاق؛ لقول رسول الله ﷺ: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا خاصم فجر)([2]).

وأما ما مناطه الأخلاق والآداب: فليس من المروءة أن ينشر الزوج سر زوجته أو تنشر الزوجة سر زوجها؛ لما في ذلك من الرذائل، ومنافاة الآداب والأخلاق، سيما وأن هذه الأسرار ذات طبيعة خاصة، لا ينبغي أن تلوكها الألسن أو يتداولها الناس، وعلى الأخص في هذا الزمان، الذي يتصيد فيه أصحاب الإثارة في وسائل الإعلام الأسرار والمعلومات.

قلت: وقد لا ينشر أحد الزوجين سرهما ما دامت حياتهما الزوجية قائمة؛ فإذا حدث الطلاق بينهما صار كل منهما ينشر سر صاحبه، إمِّا جهلًا بأنه لم يعد مجال للحفاظ على هذا السر، وإما أن يكون مجرد انتقام بسبب ما قد ينشأ من خلاف بينهما، وهذا لا يجوز؛ لأن السر يظل -في كل الأحوال- أمانة عند أي منهما.

وعلى هذا يحرم على الزوج نشر سر زوجته، كما يحرم على الزوجة نشر سر زوجها، ويستوي في ذلك ما إذا كان عقد زواجهما قائمًا أم كانا طليقين.

والله تعالى أعلم.

 

([1])  أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب النكاح، باب تحريم إفشاء سر المرأة، صحيح مسلم بشرح النووي ج6 ص3874، برقم (1437).

([2])  أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب آية المنافق برقم (33)، فتح الباري ج1 ص111.