سؤال‏: يقول صاحبه إن بعض المصلين يرفعون أيديهم بالدعاء بعد الصلوات المفروضة، ويسأل عما إذا كان ذلك جائزاً؟

حكم رفع اليدين بالدعاء بعد الصلوات المفروضة

الدعاء عبادة، والأصل فيه أمر الله تعالى لعباده أن يدعوه؛ لأنه قريب منهم، يسمع دعاءهم ومناجاتهم وتضرعهم إليه، فيجيبهم وعدًا حقًّا عليه، وفي هذا قالِِ عز وجل‏: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون} [البقرة‏: 186]. وقال عز ذكره‏: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} [الأعراف‏: 205]. وقال تعالى‏: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين} [غافر‏: 60]. والأصل فيه أيضاً قول رسول الله : «يا أيها الناس فإنكم لا تدعون أصم إنما تدعون سميعاً بصيراً»([1]). «إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته»([2]). وقوله -عليه الصلاة والسلام-‏: «يقول الله تعالى‏: أنا عند حسن ظن عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني»([3]). وقوله -عليه الصلاة والسلام-‏: «إن الله تعالى يستحي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيراً فيردهما خائبتين»([4]). والدعاء كأي عبادة أخرى يتوقف فعله حسب النص الشرعي الذي ورد فيه، فلا يزاد عليه ولا ينقص منه.، رفع اليدين فيه أقرب للإجابة، فقد روى أبو هريرة أن رسول الله قال‏: «إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء : يارب يارب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك»([5]) فدل هذا على أن من أسباب إجابة الدعاء رفع اليدين به في مختلف الأحوال التي يناجي فيها العبد ربه متضرعاً مبتهلاً إليه، كما دل على أن من أسباب منع الإجابة أكل الحرام. وقد رأت طائفة من العلماء‏: أنه لا يجوز رفع اليدين في الدعاء إلا في صلاة الاستسقاء، واحتجوا بما ورد في حديث عمارة بن رويبة أنه رأى بشر بن مروان يرفع يديه في الدعاء فأنكر ذلك، وقال‏: لقد رأيت رسول الله وما يزيد على هذا يشير بالسبابة([6]). كما ورد عن بعض السلف أنه أخذ بظاهر الحديث، وقال‏: «السنة أن الداعي يشير بأصبع واحدة، كما ذكر أن عبدالله بن عمر وجبير بن مطعم كرها رفع اليدين بالدعاء([7]). وذكر عن الإمام مالك أنه قال‏: رفع اليدين بالدعاء ليس من أمر الفقهاء، وقال في المدونة يختص الرفع بالاستسقاء([8]). وقد أشار الإمام ابن حجر في الفتح إلى عدد من الأحاديث التي وردت في رفع رسول الله ليديه عند الدعاء، ومنها‏: أن الطفيل بن عمرو لما قدم على النبي وقال له‏: إن (دوسا) قد عصت، فادع الله عليها فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال‏: «اللهم اهد دوساً»([9]). وفيها حديث عائشة رضي الله عنها أنها رأت رسول الله يدعو رافعاً يديه، يقول‏: «اللهم إنما أنا بشر»([10]). وفي حديث أبي هريرة الطويل في فتح مكة، فرفع يديه وجعل يدعو([11]). وفي حديث عمر بن الخطاب : أن رسول الله إذا نزل عليه الوحي يسمع عند وجهه كدوي النحل، فأنزل الله عليه يوماً، ثم سري عنه، فاستقبل القبلة ورفع يديه ودعا([12]). ومن هذه الأحاديث حديث أسامة بن زيد قال‏: كنت رديف رسول الله بعرفات فرفع يديه يدعو، فمالت به ناقته، فسقط خطامها، فتناوله بيده، وهو رافع اليد الأخرى([13]). والأحاديث في هذا كثيرة، فيجمع بينها وبين حديث أنس، بأنه لم يرفع يديه إلا في الاستسقاء، بأن المنفي صفة خاصة، وليس أصل الرفع، كما ذكر ذلك الإمام ابن حجر([14]).

قلت‏: ورفع اليدين بالدعاء ليس على إطلاقه؛ فما لم يرفع فيه رسول الله يديه لا يجوز الرفع فيه؛ لأننا ملزمون باتباع سنته قولاً أو فعلاً أو تقريراً، ومن ذلك عدم جواز رفع اليدين بالدعاء في خطبة الجمعة أو رفعها في التشهد الأخير من الصلاة، أو رفعهما بين السجدتين، أو عند دعاء الاستفتاح.وكذا عدم رفعهما في الأذكار المشروعة بعد الفراغ من الصلوات المفروضة مثل‏: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، أو في الاستغفار بعد الفراغ من الصلوات المفروضة.وللعبد أن يدعو بما شاء من الدعاء المشروع في السجود لقول رسول الله. أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم([15]). كما أن له أن يدعو بما شاء من الدعاء المشروع بعد التشهد الأخير، كما في حديث ابن مسعود ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو([16])

وينبني على هذا أن للعبد أن يرفع يديه بالدعاء، إلا في الأحوال التي لم يرفع فيها رسول الله يديه بالدعاء‏: (كخطبة الجمعة، أو الأذكار المشروعة) بعد الصلوات، وما عدا ذلك، فللعبد أن يرفع يديه بالدعاء؛ لأن ذلك أحرى للإجابة، ولكن لا يتخذ العبد من دعائه هذا سنة راتبة يجعلها من ضمن السنن، كالمداومة على الدعاء بعد السنن الراتبة والإطالة فيه.

 

 

([1])  أخرجه البخاري رقم (4202).

([2])  أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 4 صــ402.

([3])  أخرجه البخاري في كتاب التوحيد, باب قول الله تعالى‏: ‏{وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ} برقم (7405) فتح الباري ج 13 ص 395.

([4])  أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 5صــ 438.

([5])  أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها برقم (1015)صحيح مسلم بشرح النووي ج 4صــ2797.

([6])  أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب تخفيف الصلاة والخطبة برقم (874)صحيح مسلم بشرح النووي ج 4صـ2434.

([7])  فتح الباري ج 11صـ147.

([8])  فتح الباري ج11صـ147.

([9])  أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم برقم(2937) فتح الباري ج 6ص 126.

([10])     أخرجه الإمام أحمد في المسند ج 6صـ133.

([11])     أخرجه البزار في مسنده ج 16.

([12])     أخرجه الإمام أحمد في المسند ج 1 صـ34.

([13])     أخرجه الأمام أحمد في المسند ج 5 صـ209.

([14])     فتح الباري ج 11 صـ146.

([15])     أخرجه الدارمي في سننه ج 1 ص 349.

([16])     أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب برقم (835) فتح الباري ج 2 ص 373.