سؤال يقول: إن رجلًا تزوج امرأة على شرط أن تتنازل له عن راتبها الشهري، وأنها قد رضيت بذلك؛ لأنها كانت في حاجة إلى الولد، ولم يكن لها من سبيل إليه إلا القبول بهذا الشرط، ولكنها كانت كارهة له.

حكم من تزوج امرأة واشترط عليها التنازل له عن مرتبها

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:

فالأصل أن الزواج عقد رضائي بين الرجل والمرأة، ولهذا الزواج أغراض عدة، منها حفظه للجنس البشري، ومنها السكينة والمودة بين الزوجين، ومنها الإحصان والعفاف، وغير ذلك من الأغراض الشرعية المعروفة من دين الله بالضرورة، وقد أمر الله خلقه بتقواه وعبادته وحده لا شريك له، بعد أن بيَّن لهم قدرته العظيمة، وحكمته البالغة وخلقهم من نفس واحدة، في قوله -عز وجل-: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء} [النساء: 1]، وقوله -عز ذكره-: {وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل: 72]، وكما جعل الله من الزواج حفظًا للجنس البشري، وتكاثره إلى آجالهم المسماة، جعله من آياته العظمى، ليكون سكينة لهم ومودة وتراحمًا بينهم، في قوله -جل ثناؤه-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [الروم: 21].

وقد حث رسول الله ﷺ على كثرة الزواج وكثرة التناسل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: (تزوجوا، فإني مكاثر بكم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى) ([1]). وفي لفظ آخر: (النكاح سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإن الصوم له وجاء) ([2]).

ولما كان الزواج بهذه الحكمة الإلَهية، فإن أحكامه تقتضي أن تكون شروطه متفقة مع هذه الأحكام، وقد يحدث من بعض الأزواج مخالفة لهذه الأحكام؛ فمنهم من يقسر المرأة عند بداية العقد معها، أو بعد سريانه، فيشترط عليها شروطًا تبخسها حقوقها، مستغلًا في ذلك حاجتها للزواج أو قوامته عليها؛ فمنهم من يطلب منها (بطاقة الصراف)، ليستولي على مالها من مرتب وخلافه، فإن امتنعت عن تحقيق طلبه هددها بالطلاق، وحجب أولادها عنها، ومنهم من يسألها إقراضه فإذا أقرضته أنكرها، ومنهم من يأخذ مالها بحجة بناء سكن مشترك بينهما، ثم يجعله باسمه، والوقائع التي تتداول في هذا كثيرة.

ومحل السؤال المشار إليه شبيه بهذه الوقائع؛ فإن كان الزوج قد اشترط عليها أن تتنازل له عن مرتبها، وقبلت ذلك وهي مكرهة، فالشرط فاسد؛ لأن الأصل في عقد الزواج الرضا وعدم الإكراه، ولو كان الإكراه نفسيًّا، والأصل فيه أيضًا أن النفقة على الزوج ما دامت في عصمته، ولم تأت ما يخل بعقد زواجها، والأصل فيه أيضًا أن مالها لها، لهذا ليس من حق الزوج – أي زوج – الاستيلاء على مال زوجته إلا ما طابت به نفسها.

هذا من حيث العموم، أما هذه القضية فلعلها مما يفصل فيها القضاء بعد معرفة ملابساتها.

والله أعلم.

 

([1])  أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج7 ص78، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٢٩٤١).

([2])  أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح، باب ما جاء في فضل النكاح، برقم (1846)، سنن ابن ماجه ج1 ص592، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٦٨٠٧).