سؤال يقول‏: إن رجلاً أقعده المرض عدة شهور فلم يستطع أن يصلي خلال تلك المدة لمرضه وعجزه، فماذا يجب عليه في قضاء ما فاته منها؟

فوائت الصلاة المفروضة وما يجب فيها

أمر الصلاة أمر عظيم وقد عظم الله أمرها، وفرضيتها معلومة من الكتاب والسنة والإجماع، ففي الكتاب قول الله – عز وجل -‏: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [البقرة‏: 238 ] وقال عز ذكره‏: {فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء‏: 301] أي مفروضًا في أوقاتها، وقال – جل ثناؤه -‏: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء‏: 78] وقال جل وعلا‏: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة} [البينة‏: 5].أما في السنة، فقول رسول الله : «بني الإسلام على خمس‏: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة.. » الحديث([1]).

وقال -عليه الصلاة والسلام- للأعرابي الذي سأله عن الإسلام‏: «عليك خمس صلوات في اليوم والليلة»([2]).

ولعظم الصلاة فلا يستثنى أحد منها في الحضر أو السفر أو الخوف أو المرض، إذ يجب على المريض أن يصليها قائمًا أو قاعدًا أو مستلقيًا أو على جنب، أو يومئ إيماء؛ لقول رسول الله لعمران بن حصين الذي اشتكى من البواسير، فقال له‏: صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب.([3]).

وأما الإجماع، فمنعقد على أن الصلاة من أوجب الواجبات على المسلم، وأن من تركها عمدًا وتهاونا فقد ضل ضلالاً مبينًا.

والمرض الذي قد يتعرض له الإنسان نوعان‏: مرض غير ملجئ ومرض ملجئ، فالأول لا يشغل عن الصلاة كمرض البواسير أو الأسنان، أو أي مرض آخر لا يعجز المرء عن فعله، فهذا لا يكون سببًا في فوات الصلاة، وأما المرض الملجىء فكل مرض يعجز معه المرء عن الحركة، ومع ذلك لا يعذر فيصلي وهو قاعد أو على جنبه أو يومئ إيماء.

أما إن كان في غيبوبة أو لا يستطيع حتى الإيماء، فهذا يقضي ما فاته بعد شفائه.

وقضاء الفوائت يتحتم في الحالات التي يستطيع فيها المرء أداء هذا القضاء، ففي مذهب الإمام أبي حنيفة‏: لا قضاء على مريض عجز عن الإيماء ما فاته في تلك الحالة، وزادت الفوائت على يوم وليلة([4]). وفي مذهب الإمام أحمد‏: إذا كثرت الفوائت فإنه يتشاغل بالقضاء ما لم تلحقه مشقة في بدنه أو ماله أو في بدنه، فبضعف أو خوف من مرض أو نصب أو إعياء، وأما في المال فبقطعه عن معيشته أو فوات شيء من ماله أو ضرره، فإن لم يعلم ما عليه قضى حتى براءة ذمته، ويقتصر على قضاء الفرائض، ولا يصلي بينها نوافل ولا سننها؛ لأن رسول الله لما فاتته أربع صلوات يوم الخندق، أمر بلالاً فأقام فصلى الظهر، ثم أمره فأقام فصلى العصر، ثم أمره فأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأقام فصلى العشاء، ولم يرد أنه صلى بينها سنة؛ ولأن المفروضة أهم، فالاشتغال بها أولى، إلا أن تكون الصلوات يسيرة، فلا بأس بقضاء سنننها الرواتب؛ لأن رسول الله فاتته صلاة الفجر فقضى سنتها قبلها([5]).

هذا وقد سمعت أحدهم يجيب عن سؤال عن قضاء الفوائت، ومفاد الجواب وجوب قضائها مهما كثرت.

قلت‏: وقد وسع الله على عباده؛ لأنه -عز وجل- أرحم بهم من أنفسهم فقال -عز ذكره-‏: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة‏: 286]. وقال – سبحانه -: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج‏: 78] وقال – جل ثناؤه -‏: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن‏: 16]، أما الأحاديث في هذا المعنى فكثيرة منها قول رسول الله : «يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا»([6]). ولما أطال معاذ بن جبل في صلاته نهاه رسول الله وقال‏: «أفتان أنت يا معاذ؟ إذا أم أحدكم الناس فليخفف؛ فإن فيهم الضعيف والعاجز وذا الحاجة»([7]).

فلو تعرض – مثلاً – مريض لغيبوبة مدة ثلاثة أشهر أو أكثر، ثم شفي منها هل يستطيع أن يصلي أربعمائة وخمسين صلاة إضافة إلى صلواته الخمس؟

والواضح أن هذا في حكمه لا يستطيع أن يفعل ذلك، لما فيه من المشقة والحرج، وقد رفع الله عن عباده الضيق والحرج.

وخلاصة المسألة‏: أن أمر الصلاة أمر عظيم، ولعظمها لم يستثن منها أحد لا في الحضر أو السفر أو الخوف، فمن لم يستطع أداءها قائمًا يصليها قاعدًا، وإن لم يستطع فعلى جنب، فإن لم يستطع أومأ إيماء، فإن لم يستطع لمرض كالغيبوبة فيصليها بعد شفائه، فإن كانت المدة التي غاب فيها قليلة فيقضي ما فاته منها كيوم أو يومين، فإن كانت كثيرة فلا قضاء عليه؛ لأن الله – عز وجل – رفع عن عباده المشقة والحرج.

 

([1])  متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‏: ‏(بني الإسلام على خمس) صحيح البخاري ج1 ص 8، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب أركان الإسلام ودعائمه، صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص 77.

([2])  أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان الصلوات وباب من أقام الفرائض فقد أفلح، صحيح مسلم بشرح النووي ج1 ص 166-167.

([3])  أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة، باب إذا لم يطق قاعدًا صلى على جنب، فتح الباري ج2 ص 684، رقمه (117).

([4])  الفتاوى الهندية للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند ج1 ص 134.

([5])  المغني لابن قدامة ج1 ص 346، والإنصاف للمرداوي ج1 ص 442- 446.

([6])  أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب ما كان النبي ﷺ يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، فتح الباري ج1 ص 195.

([7])  أخرجه البخاري في كتاب الأذان باب من شكا إمامه إذا طول برقم(705)، فتح الباري، ج 2، ص 234