سؤال يقول: إن تاجرًا يملك أرضًا كبيرة تعد بآلاف الأمتار ويرى أنه ليس عليها زكاة؛ لأنه لم يقرر بعد ما إذا كانت للسكن أم للتجارة.

حكم زكاة الأرض الغير محدد فيها نية البيع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين محمد وآله وصحابته ومن اتبع سبيلهم إلى يوم الدين، أما بعد.

فمن حيث العموم لا خلاف في وجوب الزكاة على أي مال معد للتجارة، والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع:

أما الكتاب: فقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة:267]، فدل هذا الحكم على وجوب الزكاة في كل مال يملكه الإنسان، إذا توفرت فيه شروطها.

وأما السنة: فما رواه سمرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله ﷺ يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع([1]). وما رواه أبو ذر -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله ﷺ يقول (في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته)([2]). وما رواه كذلك أبو عمرو بن حماس عن أبيه، قال: مرَّ علي عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: أد زكاة مالك. فقلت: ما لي مال أزكِّيه إلا جعاب والأدم، قال: فقومه وأد زكاته([3]).

وأما الإجماع: فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن في العروض التي يراد بها التجارة الزكاة إذا حال عليها الحول([4]). وقيل: إن الإمام مالكًا وداود الظاهري يريان أنه لا زكاة فيها؛ استدلالًا بقول رسول الله ﷺ (قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق)([5]).

وينبني على هذا أن في الأرض المعدة للتجارة زكاةً، سواء كانت كبيرة أم صغيرة، فبعد أن يحول عليها الحول تقوَّم ثم تزكى حسب قيمتها، أما إن كانت الأرض معدة للسكن فلا زكاة فيها، مثلها مثل المتاع من أثاث وثياب ونحوها.

وأما قول صاحب الأرض إنه لم يقرر نيته، وما إذا ستكون للتجارة أم للسكن، فالمفترض أن يقرر نيته في ذلك؛ لأن عدم تقريرها يعطل منافع الأرض، فتكون بمثابة هدر المال وإضاعته، لقول رسول الله ﷺ (إن الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)([6]). ولما كانت الأرض بتلك المساحة التي أشار إليها السؤال، فإنه يخشى على صاحبها نيته في التهرب من دفع الزكاة المفروضة عليه؛ لأنه بعدم تقرير هذه النية يمنع حقًّا فرضه الله عليه.

([1]) أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة، باب العروض إذا كانت للتجارة هل فيها زكاة؟ سنن أبي داود ج2 ص95، برقم (1562)، قال ابن عبد البر في الاستذكار، (٣/٥٣): إسناده حسن.

([2]) سنن الدارقطني ج2 ص101، ضعفه شعيب الأرنؤوط في تخريج سنن الدارقطني، (١٩٣٢).

([3]) المصنف لعبدالرزاق ج4 ص96.

([4]) المغني والشرح الكبير لابني قدامة ج2 ص62.

([5]) صحيح سنن ابن ماجة للألباني ج1 ص298، برقم (1447)، وانظر: المغني لابن قدامة ج4 ص248.

([6]) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ } فتح الباري ج3 ص398، برقم (1477).