سؤال من ش.ر. عن مدى جواز الزواج بالزانية قبل توبتها؟

حكم الزواج من الزانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فالأصل ألا ينكح الرجل إلا امرأة عفيفة طاهرة، تحافظ على فرجها؛ لقول الله -عز وجل- لنبيه: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) (النور:31)، ولأن أمر الزنا أمر عظيم فقد حرمه الله على المؤمنين حرمة أبدية في قوله -جل في علاه-: (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (النور:3)، والمعنى أن الزاني لا ينكح إلا زانية مثله أو مشركة لا دين لها، والزانية لا ينكحها إلا زانٍ مثلها أو مشرك، وهذا كله مما حرمه الله تحريمًا أبديًّا على المؤمنين، والشاهد في هذا ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن رجلًا من المؤمنين استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في امرأة يقال لها أم مهزول، كانت تسافح وتشترط أن تنفق عليه، فقرأ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الآية:  ﴿والزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ ([1]).

وفي الآية أقوال كثيرة، وجمهور العلماء على أن امرأة الرجل إذا زنت أو زنى هو يبقى عقد زواجهما قائمًا ولا يفسد، وأقول: أنه لا يجوز للزوج الاستمرار في زواجه منها إلا بعد توبتها توبة نصوحا واستبراء رحمها، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن من زنى بامرأة يجوز له أن يتزوجها بعد توبتها، وبعد استبراء رحمها([2]) فتَحْرُمُ الزَّانِيَةُ إذَا عُلِمَ زِنَاهَا عَلَى الزَّانِي وَغَيْرِهِ حَتَّى تَتُوبَ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) (النور:3)([3])، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الزَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ تَزَوُّجُهَا إلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَزْنِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ بَلْ يُفَارِقُهَا وَإِلَّا كَانَ دَيُّوثًا”([4]).

هذا في عموم المسألة، أما عن السؤال عما إذا كان يجوز الزواج من الزانية قبل توبتها، فالجواب أنه يحرم على الرجل أن ينكح الزانية قبل توبتها؛ لأنه لا ينكحها إلا زانٍ مثلها، فلا يحل نكاح الزانية إلا بعد توبتها توبة نصوحًا، بشروطها الثلاثة التي عرفها أهل العلم: بأن عليها أن تندم على فعلها، وتتوب منه توبة نصوحًا، وتعقد العزم على أن لا تعود إليه([5]).

فالحاصل جوابًا عن السؤال، أنه يحرم على الرجل أن يتزوج زانية إلا بعد توبتها، فإن تزوجها قبل ذلك فزواجهما باطل ومحرم في أحد قولي أهل العلم.

والله تعالى أعلم.

 

[1] – جامع البيان عن تفسير آي القرآن للطبري ج 19ص96، قال الشوكاني في الدراري المضية، (٢١٠): إسناده رجاله ثقات.

[2] بدائع الصنائع للكاساني 2 / 269، وحاشية ابن عابدين 2 / 291، 292، وحاشية الجمل 4 / 455، 456، 471، 472. مجموع الفتاوى لابن تيمية (32/110)، والإنصاف للمرداوي 8/99 و9/216، 217. وكشاف القناع للبهوتي (5/82).

[3] ” كشاف القناع” (5/82).

[4] مجموع الفتاوى (32/141).

[5] ينظر “فتح الباري” (13/ 471).