سؤال‮ ‬من المهندس أحمد‮ … ‬من الجزائر‮ ‬يقول‮ ‬فيه‮: ‬فتحت مركزًا للتكوين‮ ‬في‮ ‬الإعلاميات، واستخدمت برنامج ويندوز القرص‮ – ‬غير الأصلي‮ – ‬لقصد التعليم، ولم أكن أعلم أن في‮ ‬هذا الأمر شبهةً أو حرامًا، ‬علمًا ‬أن النسخة الأصلية‮ ‬غالية جدًّا، لا أقدر على ثمنها، فهل مدخولي‮ ‬من هذا العمل حرام؟. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

حكم استنساخ المعلومات أو البيانات المملوكة للغير دون إذنه

هكذا ورد السؤال، ويتعلق بالجواب عليه مسألتان:

الأولى: التعدي على حق للغير.

والثانية: استخدام هذا العمل للحصول على منفعة .

التعدي على حق للغير: الأقراص التي ينتجها شخص أو أشخاص تعد حقًّا لهم؛ لأنها نوع من أنواع أموالهم، لا يحق لأحد التعدي عليها بأي صورة إلا بإذنهم، وقد حرم الله التعدي على الأموال، والأصل في هذا الكتاب والسنة والإجماع والمعقول:

أما الكتاب: فقول الله -تعالى-: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون} [البقرة:881]، وقوله -تعالى-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} [النساء:29].

وأما السنة: فقول رسول الله -ﷺ- : «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم، هذا في بلدكم هذا»([1]).

وأما الإجماع: فإنه منعقد على حرمة الأموال، وتحريم التعدي عليها ما لم تكن أعيانها محرمة في ذاتها، كالخمر أو الميتة، أو كل عين محرمة في الشرع.

وأما المعقول: فإن صاحب المال يكتسبه بجهده، أو بأي وسيلة مشروعة، فلا يعقل إذًا أن يباح لأحد التعدي عليه؛ لأن ذلك مما يفسد أحوال الناس، وهذا الإفساد يعد من الفساد في الأرض، الذي نهى الله عنه نهي تحريم في قوله -تعالى-: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين} [الأعراف:65].

وقد عد الفقهاء -رحمهم الله تعالى- سرقة الكتب في حكم سرقة الأموال؛ لكونها مالًا منقولا يحرز، وينقل، ويتصرف فيه:

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: سرقة المصحف تعد من السرقة، وكذلك (أي صحيفة فيها حديث أو علوم عربية أو شعر)([2]).

وفي مذهب الإمام مالك: يحكم بالسرقة على من يسرق المصحف؛ لكونه مالًا مملوكًا يجوز التصرف فيه بالبيع([3]).

وفي مذهب الإمام الشافعي مثل ذلك، ما لم يكن المال محرمًا([4]).

أما مذهب الإمام أحمد ففيه قولان: قول بوجوب حكم السرقة في سرقة المصحف. وأما القول الثاني: فلا يوجب العقوبة فيه([5]).

وهذه القواعد تنطبق على استنساخ مؤلفات الغير وحقوقه، سواء كانت في كتب أم في بيانات أم في أقراص، أم في في أي وسيلة مماثلة.

استخدام المواد المستنسخة للحصول على منفعة: لما كان استنساخ حقوق الغير من كتب أو أقراص أو نحوها محرمًا في الأصل، فيحرم إذًا استخدام هذه الحقوق في أي منفعة للمستنسخ أو لغيره، سواء كانت هذه المنفعة دينية أم دنيوية، وينبني على هذا مثلًا أنه لا يجوز لأحد أن يتعدى على مال غيره لكي يتصدق منه، كما لا يجوز له أن يستنسخ مؤلفات غيره؛ ليعلم منها الناس ما لم يأذن له صاحب الحق في ذلك، فهذه الأمور تحكمها القواعد الشرعية القاطعة في تحريم السرقة، وتحريم التعدي، والتزام الأمانة، وتحريم الكذب([6]).

كما ينبني على هذا أن كل منفعة تتأتى من التعدي على حقوق الغير تعد محرمة.

وبناء على ما سبق لا يجوز للأخ السائل استنساخ الأقراص الأصلية المملوكة للغير، كما لا يجوز له الانتفاع منها في التعليم أو غيره.

أما كونه لا يعلم عن مدى شرعية تصرفه، فلا حرج عليه -إن شاء الله- فيما سبق، عملاً بقول الله -عز وجل-: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:5]، وقول رسول الله -ﷺ-: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»([7])، ومن يتق الله بالتماس الحلال من الرزق ييسر له رزقه، كما قال -عز وجل-: {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا * وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:3-4].

والله تعالى أعلم

([1])     أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب حجة النبي-ﷺ-، برقم )1218 (  ج5ص3323..

([2]) بدائع الصنائع للإمام الكاساني ج 7ص28، وشرح فتح القدير لابن الهمام ج 5 ص 317..

([3]) المدونة الكبرى للإمام مالك برواية سحنون ج4 ص 418.

([4]) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي ج7 ص 442 .وأسنى المطالب ج 4 ص 141..

([5]) المغني والشرح الكبير لابني قدامة ج10 ص 249، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي ج10ص260.

([6]) حق التأليف ومدى شموله لقواعد البيانات وما في حكمها على شبكة الإنترنت، مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد: 63 ص 293- 299.

([7]) أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، برقم (4251) ج2 ص1420، صححه السيوطي في الجامع الصغير، (٦٢٧٤).