بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعد:
فيلجأ عدد من النسوة إلى تناول دواء لإيقاف دوراتهن الشهرية، خاصة منهن اللاتي لا يردن قطع صيامهن، أو يأتين للحج من بلاد بعيدة ويخشين فساد حجهن، أو تأخير أهلهن بعد انتهاء حجهم.
ومن الفقهاء من قال بجوازه، ومنهم من قال بكراهته:
ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: قول بأنه يجوز للمرأة سد فم رحمها، وفيه قول آخر بعدم الجواز، إذا كان هذا دون إذن زوجها([1]).
وفي مذهب الإمام مالك: يكره شرب الدواء لتأخير الحيض بقصد العمرة([2]).
وفي مذهب الإمام الشافعي: يجوز استعمال ما يبطئ الحبل مدة ولا يقطعه([3]).
وفي مذهب الإمام أحمد: يجوز شرب الدواء المباح لقطع الحيض إذا أُمِن الضرر، وفي قول آخر: لا يباح إلا بإذن الزوج، وظاهر المذهب جوازه مطلقًا مع أمن الضرر([4]).
أما إذا كان إيقاف الحيض يؤدي إلى ضرر للمرأة سواء كان هذا حالًا أو آجلًا، فالأصل منعه؛ لأن ما يؤدي إلى الضرر ينافي وجوب حفظ النفس، وسلامتها من الأضرار.
أما الرطوبة المعتادة التي تخرج من المرأة بعد توقف دورتها الشهرية بفعل الدواء، فتعد طاهرة:
ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: تعد هذه الرطوبة طاهرة اتفاقًا([5]).
وفي مذهب الإمام مالك: كذلك([6]).
وفي مذهب الإمام الشافعي: أن رطوبة الفرج ليست نجسة([7]).
وفي مذهب الإمام أحمد: أنها طاهرة([8]).
قلت: ولا جناح على المرأة في تناول دواء لإيقاف دورتها الشهرية، لغرض من أغراض العبادة، كالصوم والحج، على شرط أن يكون هذا الدواء مباحًا، وغير ضار لها في الحال أو المآل، وتعد الرطوبة التي تخرج منها طاهرة، وعبادتها من صلاة وصيام وحج تعد صحيحة إن شاء الله.
والله تعالى أعلم.
([1]) حاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة ج3 ص176.
([2]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدسوقي ج3 ص168.
([3]) حواشي تحفة المحتاج للشرواني وابن قاسم ج8 ص241.
([4]) المغني لابن قدامة ج1 ص450، وكشاف القناع للبهوتي ج1 ص218.
([5]) حاشية رد المحتار لابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه مذهب الإمام أبي حنيفة ج1 ص313.
([6]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدسوقي ج1 ص57.
([7]) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه على مذهب الإمام الشافعي للرملي ج1 ص246 .
([8]) كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ج1 ص195، وكتاب الفروع مع تصحيح الفروع لابن مفلح ج1 ص248-249.