الحصول على السلاح مما عرفه الإنسان منذ كينونته على الأرض؛ لأن احتمال الخلاف بينه وبين غيره، جعله يبحث عن الوسيلة التي يدافع بها عن نفسه، عندما يكون هذا الاحتمال حقيقة، وقد تنوع حصوله على السلاح حسب الحال في زمانه ومكانه، ومن ثم تطور هذا التنوع حتى أصبحت الأسلحة في هذا الزمان أشد خطرًا وأعظم أثرًا، ولعلم الله بحال عباده، وحكمته فيهم، وما يحتاجون إليه في حياتهم هيأ لهم الحديد يصنعون منه السلاح، إما للدفاع عن الرسالات التي أنزلها على رسله لإبلاغها إليهم، وما يقتضيه هذا البلاغ من القوة التي يمثلها السلاح، وإما للدفاع عن أنفسهم عندما يكونون في حاجة لهذا الدفاع، قال – تعالى -: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد:25]، وفي أول الآية بيان من الله بأنه -عز وجل- أرسل الرسل ومعهم الكتب فيها بيان للناس لما يجب عليهم فيما مناطه علاقتهم بربهم، ووجوب توحيده، وطاعته، وعدم الشرك به، واتباع رسله، وفيما مناطه علاقتهم ببعضهم بما بينته لهم الرسل والكتب من الأحكام التي تحكم حياتهم، وفي آخر الآية بيَّن الله -عز وجل- أنه جعل في الحديد القوة التي تردع من يطغى أو يستكبر عن قبول الحق الذي جاءت به الرسل والكتب، فقد علَّم الله نبيه نوحًا صنع السفينة؛ لكي ينجو فيها بالمؤمنين، كما علّم نبيه داود صنع الدروع لاستخدامها في القتال، ومكث نبينا ورسولنا محمد -ﷺ- ثلاث عشرة سنة وهو يدعو المشركين إلى الله، ويجادلهم بالحق والحكمة، ويشفق عليهم من العذاب، فلما أبوا قبول الحق أمره الله بالهجرة، وشرع له القتال بالسيف، وما كان ممكنًا من السلاح في ذلك الزمان، وفي هذا قال -عليه الصلاة والسلام-: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري .. الحديث»([1]).
ومن قواعد الإسلام -بل من فرائضه-: الجهاد في سبيل الله، والآيات التي تأمر بالجهاد وتحث عليه كثيرة، منها: قول الله -تعالى-: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} [التوبة:73]. وقوله -عز ذكره-: {وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}[المائدة:35]، وأثنى -عز وجل- على المجاهدين في سبيله، ووعدهم بالأجر العظيم، قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُون *ُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيم* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [التوبة:20-22].
وقال -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69]، ولما كان الجهاد يقتضي الاستعداد له بالقوة أمر الله الأمة بأن تعد له العدة، وفي هذا قال – تعالى -: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60]، وفي هذه الآية أمران:
الأمر الأول: وجوب الاستعداد للجهاد بالقوة، وهي هنا السلاح وما في حكمه، ولم يحدد الله نوع هذا السلاح ولا كيفيته، فهذا متروك للأمة حسب زمانها؛ فما يكون مناسبًا في زمان لا يكون مناسبًا في زمان آخر، فالخيل والسيوف والرماح والنبال وما في حكمها كانت السلاح في العصر الذي عاشه رسول الله -ﷺ- وصحابته، فهي بحكم الآية والزمان قوة، ولكنها لم تعد قوة في هذا الزمان، فيحل محلها السلاح المتعارف عليه في الأزمنة المتتابعة، فإلى جانب الأسلحة العادية أصبحت الطائرات والصواريخ بشتى أنواعها، والأسلحة الكيميائية والنووية القوة الكبرى في هذا الزمان، فتدخل تحت حكم الأمر بالاستعداد للجهاد بالقوة.
الأمر الثاني: أن المراد من القوة إرهاب العدو، وردعه عن الاعتداء، فإلى جانب بيان الله -عز وجل- لأهمية السلاح في تخويف العدو – وهو البيان الحق – فإن المشاهد والمحسوس أن العدو لا يكف عن العدوان إلا إذا عرف أن عدوانه سوف يرتد عليه بالخسران.
وكما أمر الله الأمة بالاستعداد بالقوة أمرها كذلك نبيها ورسولها محمد -ﷺ- ، فلما قرأ قول الله -تعالى-: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} قال: «ألا إن القوة الرمي»([2])، ولم يحدد -عليه الصلاة والسلام- كيفية الرمي ووسيلته، فإذا كان الرمي في الماضي بالسهام والأقواس والنبال، فيكون في هذا الزمان بالقنابل التي تحملها الطائرات، أو بالصواريخ التي تنفجر بمجرد سقوطها على مكان الهدف.
قال القرطبي: «إنما فسر رسول الله -ﷺ- القوة بالرمي – وإن كانت القوة تظهر بإعداد غيره من آلات الحرب -؛ لكون الرمي أشد نكاية في العدو، وأسهل مؤونة؛ لأنه قد يرمي رأس الكتيبة، فيهزم من خلفه»([3]).
وينبني على ما سبق جواز امتلاك الأسلحة المتقدمة أيًّا كان مسماها من نووية أو كيميائية، بل إن هذا من واجبات الأمة؛ لأنه مما أمر الله به من الاستعداد بالقوة والرباط في سبيل الله، فإذا تهاونت في امتلاك هذه الأسلحة عرضت نفسها ودينها للخطر؛ لأن الأعداء لا ينامون، ولا يتورعون عن العدوان، وامتلاك هذه الأسلحة لا يعني استخدامها للعدوان، فذلك مما نهى الله عنه في قوله -عز وجل-: {وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين} [البقرة:190]، ناهيك بأن دين الإسلام يأمر بالسلم والأمن، كما قال -عز وجل- لنبيه ورسوله محمد -ﷺ- وأمته: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال:61].
([1]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج5 ص50، وقال الألباني في مشكلة الفقر ص25: «صحيح» برقم (24).
([2]) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل الرمي، والحث عليه، وذم من علمه ثم نسيه، صحيح مسلم بشرح النووي ج8 ص5290، برقم (1917).