الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فظاهر السؤال عن الذي يستمع للأغاني في أثناء الصيام.
والجواب: أن الأصل في الصيام العبادة والذكر طاعة لله فيما أمره به من قسر النفس على كسر الشهوة، وذلك بالامتناع عن الأكل والشرب واللغو طاعة لله عزوجل، وذلك فيما رواه أبوهريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:” يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ كلُّ عمَلِ ابنِ آدمَ له إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ إنَّمَا يتْرُكُ طعامَهَ وشَرَابَهُ مِن أجْلِي فصيامُهُ لَه وأنا أجزِي بِه كلُّ حسنةٍ بعشرِ أمثالِهَا إلى سبعمائِةِ ضعفٍ إلا الصيامَ فهو لِي وأنا أجزِي بِهِ”([1]).
وفي شهر الصيام تستشعر النفس رحمة الله، وابتغاء الثواب فيما يقدمه العبد من صدقة وذكر وإحسان وكف عن الذنوب والندم عليها وكثرة الاستغفار، وفي هذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبوهريرة رضي الله عنه:” ليس الصيامُ من الأكلِ و الشربِ، إنما الصيامُ من اللَّغوِ و الرفَثِ، فإن سابَّك أحدٌ أو جهِل عليك فقل: إني صائمٌ، إني صائمٌ لا تُسابِّ و أنت صائمٌ “([2])، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبوهريرة رضي الله عنه:” مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ”([3]).
وينبني على هذا أن الصيام ليس مجرد امتناع عن الأكل والشرب في وقت معين، بل هو إمساك عن اللغو والرفث واللهو واللعب، فمن يكون هذا عمله في اللهو واللعب فهو غير مستشعر لحقيقة الصيام وما أنزل الله فيه من الفضائل التي يجب على العبد استشعارها والعمل بها سرا وجهرا.
هذا في عموم المسألة أما عن سؤال الأخ عن الاستماع للغناء في شهر رمضان وما إذا كان يفسد الصيام، والجواب عليه أن الغناء واللهو واللعب يتنافى مع الصيام والحكمة منه، والأصل أنه لا يجتمع في الإنسان أمران متضادان فأحدهما يكون فاسدا والفساد يتنافى مع الصيام، فهذا ذكر ودعاء وعبادة وذاك أي الغناء لهو ولعب، ولا يجتمع هذا مع الصيام، ففي الصيام تخشع القلوب لذكر الله، ومع اللهو يجد الشيطان ضالته، ويغري العبد بالغناء فيفسد عليه الصيام وما فيه من الفضائل، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: حب الكتاب وحب ألحان الغناء في قلب عبدٍ ليس يجتمعان([4]).
والفضل كل الفضل فيما أمر الله به من الصيام في شهر رمضان، وما أمر به رسوله -عليه الصلاة والسلام- من تحريم اللغو سواء كان على شكل غناء أو نحوه.
والله تعالى أعلم.
[1] أخرجه البخاري (1894)، ومسلم (1151)، والترمذي (764)، والنسائي (2215)، وابن ماجه (1638)، وأحمد (7494) واللفظ له.
[2] أخرجه ابن خزيمة (1996)، وابن حبان (3479)، والحاكم (1570) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب(1082).
[3] أخرجه البخاري (1903)، وأبو داود (2362)، والترمذي (707) واللفظ له، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (3246)، وابن ماجه (1689)، وأحمد (10562).
[4] متن القصيدتين النونية والميمية، ابن القيم (ص: 38).