الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد،،
فظاهر السؤال أن الأخ السائل ومن معه أكرهوا على الإفطار في نهار رمضان بحجة ما حدث من مشكلات في أماكنهم.
والجواب: أن الله عزوجل عفى عن المكره على دينه فلم يحاسبه بسبب هذا الإكراه([1])، لقوله جل في علاه: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل:106]، ولحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه”([2]).
فالذين أفطروا نتيجة الإكراه لا إثم عليهم -إن شاء الله- ونرجو الله عزوجل أن يثبتهم على دينهم.
والسؤال عما إذا كان عليهم قضاء اليوم الذي أكرهوا على الإفطار فيه؟ وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في ذلك فقالت الحنفية([3]) والمالكية([4]) أن من أكره على الفطر فأفطر فعليه القضاء.
وقالت الشافعية([5]) والحنابلة([6]) والظاهرية([7]) إذا أُكرِهَ الصَّائِم على الفِطر فأفطَرَ، فلا إثمَ عليه، وصومُه صحيحٌ، سواءٌ كان الإفطارُ بغيرِ فِعلٍ منه- بأن صُبَّ في حلْقِه ماءٌ مثلًا- أو كان الإفطارُ بفِعْلِه، وهو اختيارُ الشَّوكاني([8]).
قلت: أما بالنسبة للسؤال فالأحوط أن عليهم قضاء ما فاتهم من شهر رمضان إذا توفرت لهم ظروف القضاء، ولا يسقط قضاءه نتيجة الإكراه، وإنما من أكره على إفطار الصيام في نهار رمضان وقلبه مطئمن بالإيمان، لن يعجزه قضاء يوم أو يومين أو أكثر من شهر رمضان؛ لأن صيام هذا الشهر أحد أركان الإسلام، أما الفدية فليس عليهم؛ لأنهم مكرهين.
والله تعالى أعلم.
[1] قال الحافظ ابن حجر في بيان تعريف الإكراه وشروطه: (هو الزام الغير بما لا يريده وشروط الإكراه أربعة الأول أن يكون فاعله قادرا على إيقاع ما يهدد به والمأمور عاجزا عن الدفع ولو بالفرار الثاني أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك الثالث أن يكون ماهدده به فوريا فلو قال ان لم تفعل كذا ضربتك غدا لا يعد مكرها ويستثنى ما إذا ذكر زمنا قريبا جدا أو جرت العادة بأنه لايخلف الرابع أن لا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره كمن أكره على الزنا فأولج وأمكنه أن ينزع ويقول أنزلت فيتمادى حتى ينزل) ((فتح الباري)) (١٢/ ٣١١).
[2] رواه الطبراني (١١/ ١٣٣) (١١٢٧٤)، والدارقطني في ((الأفراد)) كما في ((أطراف ابن طاهر)) (٣/ ٢٢٠) (٣٤٧٩)، والحاكم (٢/ ٢١٦)، والبيهقي (١٠/ ٦٠، رقم ١٩٧٩٨). قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (ص: ٩٩) – كما أشار إلى ذلك في المقدمة – وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (١/ ٤٢٠): لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره، وقال الألباني في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (٦٢٤٨): صحيح بمجموع طرقه.
[3] الفتاوى الهندية ٤ / ٤١٨، وفتح القدير ٥ / ٤٧١، وحاشية ابن عابدين ٥ / ٣٧٨.
[4] الشرح الكبير للدردير ٣ / ٢٨٢، وجواهر الإكليل ١ / ١٤٨.
[5] ((المجموع)) للنووي (6/325)، وينظر: ((الحاوي الكبير)) للماوردي (3/905).
[6] ((الإنصاف)) للمرداوي (3/215)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/320)
[7] ((المحلى)) (4/335).
[8] ((السيل الجرار)) (ص: 286)