سؤال من الأخ m.n” يقول: ما حكم صرف الأموال المكتسبة عن الغصب في بناء المسجد؟

حكم بناء المساجد من الأموال المغصوبة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

فالغصب مما حرم الله على عباده لما فيه من التجاوز على أموالهم وسلبها بغير حق، وفي القرآن الكريم الإشارة إلى تخريب سفينة المساكين؛ لأن الملك في ذلك الزمان كان يأخذ كل سفينة غصبا وذلك في قول الله جل في علاه: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79].

وقد عظم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر الغصب وتحريمه فقال -عليه الصلاة والسلام- في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه: “منِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَومَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ”([1]) وفي خطبة الوداع في آخر حجة ودع فيها أمته قال -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه: ” فإنَّ دِمَاءَكُمْ، وأَمْوَالَكُمْ، وأَعْرَاضَكُمْ، بيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا، لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ”([2])، وقال -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: “لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهو مُؤْمِنٌ، ولا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إلَيْهِ فيها أبْصارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُها وهو مُؤْمِنٌ”([3])، وقال -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه أبو أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه: “مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بيَمِينِهِ، فقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ له النَّارَ، وَحَرَّمَ عليه الجَنَّةَ فَقالَ له رَجُلٌ: وإنْ كانَ شيئًا يَسِيرًا يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: وإنْ قَضِيبًا مِن أَرَاكٍ”([4]).

فاقتضى هذا أن أكل من يتعدى على مال غيره دون حق يعد غاصبا، ولا يسقط عنه هذا الجرم إلا أن يرد ما اغتصب أو يعفو صاحب الحق عنه.

لأن ما اكتسبه من الغصب يعد حراما؛ لقول الله عزوجل: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188]، وقضى تقدس اسمه بأن على العبد ألا يأكل إلا من الطيبات في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172].

هذا في عموم المسألة: أما عن السؤال فلا يجوز بناء المساجد من الأموال المغصوبة؛ لأن المساجد بيوت الله التي إذن أن ترفع ويذكر فيه اسمه فلا يجوز أن تبنى إلا من مال حلال، وليس من مال مغصوب حرمه الله.

والله تعالى أعلم.

 

[1] أخرجه مسلم(1610).

[2] أخرجه البخاري (67).

[3] أخرجه البخاري(2475).

[4] أخرجه مسلم (137).