الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد،،
فظاهر سؤال الأخ عن الصدقة على الوالدين، وإطعامهما، وما إذا كان من الصدقة.
والجواب: أنه ليس لأحد عذر في معرفة حَقِّ والديه، فالوالدان لا يُتَصَدَّقُ عليهما، بل يجب على ولدهما بِرُّهُما، وإعطاؤُهما حَقَّهما، وهذا الحق ليس صدقة عليهما، بل واجب على الولد أن يقوم به، فإذا عجز الوالدان عن إطعام نفسيهما فهل يلجآن إلى سؤال الناس عن عيشهما؟، هذا لايتصور، والمعنى: أن على الولد البِرَّ بوالديه؛ لأن هذا واجبٌ عليه، وليس مِنَّةً منه، وهذا البِرُّ مترتب على الولد من جهتين:
الجهة الأولى: قول الله-عز وجل-: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ (الإسراء: 23-24).
فانظر كيف أمر الله-عز وجل-ببر الوالدين، فالإحسان إليهما شامل لكل ما في الإحسان من معنى، وقد عظم-عز وجل-هذا الحق، ولو كان الوالدان على غير دين الولد، فقال-عز ذكره-: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ (لقمان: 15)، وقد استفتَتْ أسماءُ بنت أبي بكر-رضي الله عنهما-النبي-صلى الله عليه وسلم-، فقالت: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي مُشْرِكَةٌ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسولَ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، قُلتُ: وهي رَاغِبَةٌ، أفَأَصِلُ أُمِّي؟ قالَ: «نَعَمْ! صِلِي أُمَّكِ»([1]).
إن حق الوالدين على ولدهما حَقُّ بِرٍّ، فماله لوالديه لو سُئِلَ عن ذلك، والأصل فيه قول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فيما رواه عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-: «أنت ومالك لأبيك»([2]).
والجهة الثانية: أن حق الوالدين ترتب بحكم ما قاما به تجاه ولدهما، فقد رَبَّيَاهُ، وأَطْعَمَاهُ، وهَيَّآ له كل أسباب الحياة من طعام وشراب وكساء، وغير ذلك مما كان يحتاجه في صغره، فاقتضى العقل أن بِرَّهُما حَقٌّ لهما.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ فلا يجوز تصدق الولد على والديه، بل يَبَرُّهُمَا، ويُهَيِّئُ لهما كل ما يحتاجانه في كبرهما، أو في أي وقت. والله -تعالى- أعلم.
[1] -أخرجه البخاري (2620)، ومسلم (1003).
[2] – أخرجه أبو داود (3530)، وابن ماجه (2292)، واللفظ له، وأحمد (7001)، صححه الألباني في صحيح الجامع، (١٤٨٦).