سؤال من الأخ‮ ‬ي‮.. ‬خ‮ .. ‬من الجزائر عن الكيفية التي‮ ‬يكون فيها الحب في‮ ‬الله والبغض في‮ ‬الله‮ ‬‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

‬الـحب والبغض في‮ ‬الله.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

الجواب: تقتضي عقيدة المسلم حكماً أن يجعل محبته لله ولرسوله مخلصاً في هذه المحبة وملتزماً بها، ومثابراً عليها بوصفها جزءاً من عقيدته وإيمانه. وهذه المحبة تقتضي حكماً محبة من يحب الله ورسوله، وبغض من لا يحب الله ورسوله ومعاداته؛ سواء كان هذا مشركاً أم كافراً أم منافقاً، أم قريباً أم بعيداً، أم حاكماً أم محكوماً. وقد عرف السلف الصالح من الأمة هذه المحبة بمسألة (الولاء والبراء)، وجعلوها أصلاً عظيماً من أصول الإيمان، ومستندهم في هذا الكتاب، والسنة، والإجماع.

أما الكتاب، فقول الله عز وجل:{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران:82]. وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} [آل عمران:811]. وقوله جل ثناؤه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين*فَتَرَى

 

الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِين} [المائدة:15–25]. وقوله عز من قائل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين} [المائدة:75]. وقوله جل وعلا:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة:17].

وهذه الآيات المحكمات بينة في دلالتها على وجوب موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً، وعدم موالاة غيرهم من الكفار، بما يقتضيه ذلك من تحريم متابعتهم في سلوكهم، أو اتباع طرائقهم، أو موالاتهم بأي نوع من أنواع الموالاة.

وأما السنة:فقول رسول اللهr :(أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله)([1]). وقوله عليه الصلاة والسلام:(المرء مع من أحب)([2]). وقوله عليه الصلاة والسلام:(من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)([3]).

وأما الإجماع فقد أجمع السلف الصالح من الأمة على أن الموالاة لا تكون إلا بين المؤمنين، وأن من أحب غير المؤمنين ووالاهم فقد نقض أصلاً من أصول الإيمان؛ لأن الموالاة تقتضي بالضرورة وجود المحبة وانتفاء البغض، فيصبح المحب محبًّا بالكلية لمن أحب، وموالياً بالكلية لمن والى، وعندئذٍ تتداعى فيه أصول الإيمان.

وقد شدد أئمة السلف -رحمهم الله- في مسألة الموالاة، فجعلوها في القليل كما في الكثير([4]). وفي هذا الزمان قد تتنوع الموالاة وفقاً لظروف الزمان؛ ومن ذلك ما أصبح يعرف اليوم بمسألة «التحديث» وما فيه من الافتتان بغير المسلمين، سواء في مجالات السياسة، أم الاجتماع، أم الثقافة، والآداب؛ وهو ما يشهد اليوم جدلاً -أو على الأصح- صراعاً حول الطرق التي يجب أن يتبعها المسلم في منهجه الاجتماعي والثقافي، وهل يكون تحديثه وفق المنهج الذي يستمده من عقيدته وتراثه أم باتباع مناهج الثقافات الأخرى، بما فيها من تعارض مع المنهج المشار إليه؟ وعلى أي حال يراها هذا المجادل أو ذاك؛ فإن اتباع مناهج غير المسلمين التي تتعارض مع المنهج الرباني، سواء في السياسة، أم الاقتصاد، أم الاجتماع، أم الآداب، أم خلافها يعد معاداة لله ولرسوله بحكم ما ذكر أعلاه من كتاب الله وسنة رسوله محمد  .

والموالاة لها صورتان:صورة تامة، وصورة ناقصة؛ فالموالاة التامة موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً، عملاً بقول الله تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُون*وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُون}. [المائدة:٥٥–65]. وقوله عز وجل:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة:17]. أما الموالاة الناقصة فهي موالاة المسلم المرتكب لبعض المعاصي بوصفه مسلماً، ثم البراءة من فعله، وما يقتضيه ذلك من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.  والبراءة لها صورة واحدة، هي: البراءة من غير المسلم، أيًّا كانت عقيدته، بالنظر إلى أن دين الإسلام هو خاتم الأديان، وأن من يتبع غيره من دين فلن يقبل منه، عملاً بقول الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}[آل عمران:91]. وقوله جل ثناؤه:{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين} [آل عمران:58].

قلت: ولكن البراءة من غير المسلم لا تعني معاداة غير المسلمين ، وذلك في الحالات التالية:

الحالة الأولى: إذا كانوا يقيمون بين المسلمين. والإقامة تشمل التجارة، والعمل، والسياحة، والزيارة ونحو ذلك؛ فمن يقيم بين المسلمين من غير المسلمين يجب له ما يجب للمسلمين، من الأمن وحفظ النفس والمال والعرض وتحريم التعدي عليه بأي صورة وقد وضع الإسلام قواعد وأحكاماً للعلاقة بين المسلمين وغيرهم، وأوجب على المسلمين الالتزام بها.

الحالة الثانية: العهود والمواثيق بين المسلمين وغير المسلمين. فإذا كان بين المسلمين وغيرهم عهود ومواثيق، وجب على المسلمين الوفاء بها مثل ما يجب عليهم من الوفاء بالعهود بين بعضهم بعضاً. والأصل في هذا كتاب الله في قوله عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [المائدة:١]. وقوله عز من قائل:{فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين} [التوبة:٧]. وقوله جل ثناؤه:{وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولا} [الإسراء:43]. ولا ينحصر العهد فيما يتم مباشرة بين الدولة المسلمة وغير المسلمة؛ بل يعد ميثاق الأمم المتحدة، ومواثيق المنظمات، والجمعيات، والمؤسسات الدولية عهوداً ومواثيق عامة بين المسلمين، بوصفهم أعضاء فيها مع غير المسلمين، مما يقتضي حكماً مراعاة حقوق غير المسلمين في بلاد المسلمين، والحفاظ على أمنهم، وأموالهم، وأعراضهم، وهذا يقتضي حكماً تحريم التعدي عليهم، ومن يقول خلاف هذا، فإنما يتأول النصوص تأويلاً باطلاً، فيظلم بذلك نفسه، ويسيء إلى دينه، ويعد من المفسدين في الأرض؛ ولهذا أكد رسول اللهr تحريم قتل المعاهد بقوله:(من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وأن ريحها يوجد من مسيرة أربعين خريفاً)([5]).

الحالة الثالثة: عدم البراءة، بل وجوب الموالاة الظاهرة إذا كان حال المسلمين تقتضي هذه الموالاة بسبب ضعفهم وقوة غيرهم، ولهذا رخص الله في موالاة غير المسلمين في حال قوتهم، فقال تعالى:

{لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } [آل عمران:82] .

الحالة الرابعة:حالة العلاقات الإنسانية. فالبراء، لا تتعارض مع ما تقتضيه وقائع الحياة وتشابكها بين العباد من البر والصلة بحكم القربى، وما تقتضيه كذلك من العدل بينهم، ودفع حوائجهم لحفظ أنفسهم ونحو ذلك مما لا بد لهم منه وإن كانوا يفترقون في دينهم . فالأصل بحكم القربى قول الله عز وجل:{لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} [الممتحنة:8].  وأكثر أهل التأويل على أن هذه الآية محكمة استدلالا بأن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما سألت رسول اللهr هل تصل أمها حين قدمت إليها وهي مشركة ؟ قال :نعم صلي أمك([6]). والأصل في العدل قول الله تعالى :{وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8].  فالعدل إذًا حق مطلق للعبد أيّا كان دينه وجنسه ولونه.

أما دفع الحاجة فإن العبد يظل أسير حاجته لحفظ نفسه وهذا الحفظ مما توجبه شريعة الله  للعبد؛  فمن كان بين المسلمين وهو محتاج لحفظ نفسه بطعام أو شراب، أو نحو ذلك من ضرورات النفس وجب عليهم هذا الحفظ ولو كان يفترق عنهم في دينه . والأصل في هذا قول رسو اللهr :(الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إليه  أنفعهم لعباد الله)([7]). وقوله -عليه الصلاة والسلام-:(في كل ذات كبد رطبة أجر)([8]) وقد دفع عمر بن الخطاب  حاجة اليهودي حيث ورد أَنَّهَ مر بشيخ من أهل الذمة، يسأل على أبواب الناس، فقال:ما أنصفناك إن كنا أخذنا منك الجـزية في شـبيبتك، ثم ضيعناك في كبرك. قال:ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه)([9]).

وخلاصة المسألة: أن عقيدة المسلم تقتضي حكماً جعل محبته لله ولرسوله، مخلصاً في هذه المحبة، وملتزماً ومثابراً عليها، بوصفها جزءاً من عقيدته وإيمانه، وقد عرف السلف الصالح من الأمة هذه المحبة بمسألة الولاء والبراء، وجعلوها أصلاً عظيماً من أصول الإيمان.

وللموالاة صورتان:صورة تامة، وصورة ناقصة. فالموالاة التامة موالاة المؤمنين بعضهم بعضاً، والموالاة الناقصة موالاة المسلم المرتكب لبعض المعاصي وذلك بوصفه مسلماً مع البراءة من فعله، وما يقتضيه ذلك من أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.

والبراءة لها صورة واحدة، هي البراءة من غير المسلم، أيًّا كانت عقيدته، وهذه البراءة لا تعني معاداته في الحالات التالية: الأولى: إذا كان يقيم بين المسلمين، فيجب له ما يجب لهم من الأمن، وحفظ النفس والمال والعرض. الحالة الثانية: العهود والمواثيق بين المسلمين وغير المسلمين. الحالة الثالثة: عدم البراءة بل وجوب الموالاة الظاهرة، إذا كانت حال المسلمين تقتضي هذه الموالاة بسبب قوة غيرهم.

الحالة الرابعة: حالة العلاقات الإنسانية. فالبراءة لا تتعارض مع هذه العلاقات كالبر والصلة بحكم القربى، وحق العدل، ودفع الحاجة لحفظ النفس، فمن كان بين المسلمين وهو محتاج لحفظ نفسه بطعام أو شراب أو نحو ذلك وجب عليهم هذا الحفظ ولو كان يفترق عنهم في دينه.

([1]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 4 ص 286 وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، وقال هذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر فيها السلسلة الصحيحة الكاملة ج 3 ص 72 برقم (998).

([2]) أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب علامة الحب في الله، فتح الباري ج٠١ ص٣٧٥، رقم الحديث ٨٦١٦-٠٧١٦ .

([3]) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه، ج٤ ص٠٢٢، رقم الحديث ١٨٦٤ ، وأخرجه الترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع، ج٤ ص٨٧٥، رقم الحديث ١٢٥٢ .

([4]) ومن ذلك المداراة والركون والمجالسة والمصاحبة والمعاشرة ونحو ذلك. انظر: رسالة «أوثق عُرَى الإيمان» (جواب سؤال) للشيخ سليمان بن عبد الله، ص١١٤-١٢٤، مطبوعة ضمن ثلاث رسائل مع كتاب الجامع الفريد.

([5]) أخرجه الترمذي في كتاب الديات، باب ما جاء فيمن يقتل نفساً معاهدة، سنن الترمذي ج٤ ص٣١، ورقم الحديث (٣٠٤١).

([6]) أخرجه البخاري في كتاب الأدب  باب صلة المرأة أمها ولها زوج برقم (5979).

([7]) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج 10 ص 86 والبيهقي في شعب الإيمان ج9 ص 521، وضعفه الألباني.

([8]) أخرجه البخاري في كتاب المظالم  باب الآبارالتي على الطريق إذا لم يتأذ بها برقم (2466) .

([9]) ذكره ابن زنجويه في الأموال ج1 ص 162 والزيلعي  في نصب الراية  ج 3 ص 453 والمتقي الهندي في كنز العمال ج4 ص 498.