سؤال من الأخ يحيى ح. . السيد من جمهورية مصر العربية يقول فيه: هناك من يقول إن هذا الختان واجب، وهناك من يقول إنه اختياري، وهناك من ينادي بمنعه في حال وجوده، ونحن -كما يقول- لا نعرف الصواب أو الخطأ في هذه المسألة ونود أن نعرف ما كان يفعله السلف الصالح.

حكم ختان البنات

والجواب: لقد كثر الحديث في وسائل الإعلام عن هذه المسألة، ولعل السبب في ذلك ما أثير، ويثار حولها من استهجان، خاصة في البلاد الأوروبية التي يستوطنها عدد من المسلمين؛ ذلك أن أحد المسلمين الأفارقة نشر على التلفاز كيفية هذا الختان، وبين للمشاهدين أن هذا مما توجبه أحكام الشريعة الإسلامية، مما أدى ببعض هذه البلاد إلى إصدار أنظمة تحرم هذا الختان بحجة أنه يؤثر في المرأة ويهدر حقوقها.

وقبل البحث في شرعية هذا الختان من عدمه تجدر الإشارة إلى أن ختن البنت ‹‹عادة›› قديمة كانت تتبع في مصر وبلاد النوبة والسودان وما جاورها، وكان هذا يعرف بـ‹‹الختان الفرعوني››، ومبعث هذه العادة رغبة الرجل -كما يبدو- في إضعاف الغريزة الجنسية للمرأة حرصًا على عفافها.

وربما أن هذه العادة قد انتقلت إلى البلدان المجاورة لمصر وغيرها، وقد تكون قد عرفت عند العرب قبل الإسلام بحكم انتقال العادات بين الشعوب، مع أنني لم أطلع على مصدر موثوق يؤكد أن العرب في الجاهلية كانوا يختنون بناتهم؛ وكان منهم من يقتل ابنته خشية عارها فلا حاجة إذًا لختانها.

نعم: هناك أقوال وآثار وردت عن رسول الله ﷺ في مسألة ختان البنات أهمها ما يلي:

أولًا: ما روي أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ‹‹الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء››([1])، وفي هذا قال الحافظ ابن حجر: روى هذا أحمد والبيهقي من حديث الحجاج بن أرطأة، عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه به، والحجاج مدلس وقد اضطرب فيه، فتارة رواه كذا، وتارة رواه بزيادة شداد بن أوس بعد والد أبي المليح، أخرجه ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في العلل، والطبراني في الكبير، وتارة رواه عن مكحول عن أبي أيوب أخرجه أحمد، وذكره ابن أبي حاتم في العلل وحكى عن أبيه أنه خطأ من حجاج، أو من الراوي عنه، عبد الواحد بن زياد، وقال البيهقي: هو ضعيف منقطع، وقال ابن عبد البر في التمهيد: هذا الحديث يدور على حجاج بن أرطأة، وليس ممن يحتج به، ثم قال قلت: وله طريق أخرى من غير رواية حجاج، فقد رواه الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس مرفوعًا، وضعفه البيهقي في السنن، وقال في المعرفة: لا يصح رفعه. . . ([2]).

ثانيًا: حديث أن رسول الله ﷺ قال لأم عطية -وكانت تختن الجواري في المدينة-: (أشمِّي ولا تنهكي)([3]). قال عنه الإمام ابن حجر: ‹‹رواه الحاكم في المستدرك من طريق عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أسيد عن عبد الملك بن عمير، عن الضحاك بن قيس كان بالمدينة امرأة يقال لها أم عطية، تخفض الجواري، فقال لها رسول الله ﷺ: (يا أم عطية اخفضي، ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه، وأحظى عند الزوج)([4]). ورواه الطبراني وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي من هذا الوجه، عن عبيد الله بن عمرو قال: حدثني رجل من أهل الكوفة عن عبد الملك بن عمير به، وقال المفضل العلائي: سألت ابن معين عن هذا الحديث، فقال: الضحاك بن قيس هذا ليس بالفهري، قلت: أورده الحاكم وأبو نعيم في ترجمة الفهري، وقد اختلف فيه عبد الملك بن عمير، فقيل عنه كذا، وقيل عنه عن عطية القرظي، قال: كانت بالمدينة خافضة يقال لها أم عطية، فذكره، رواه أبو نعيم في المعرفة، وقيل عنه عن أم عطية، رواه أبو داود في السنن، وأعله بمحمد بن حسان، فقال: إنه مجهول ضعيف، وتبعه ابن عدي في تجهيله والبيهقي، وخالفهم عبد الغني بن سعيد فقال: هو محمد بن سعيد المصلوب، وأورد هذا الحديث من طريقه في ترجمته من إيضاح الشك، وله طريقان آخران رواه ابن عدي من حديث سالم بن عبد الله بن عمر، ورواه البزار من حديث نافع، كلاهما عن عبدالله بن عمر رفعه: (يا نساء الأنصار اختضبن غمسًا، واخفضن، ولا تنهكن! فإنه أحظى عند أزواجكن، وإياكن وكفران النعم)، لفظ البزار، وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف، وفي إسناد ابن عدي: خالد بن عمرو القرشي وهو أضعف من مندل، ورواه الطبراني في الصغير وابن عدي أيضًا عن أبي خليفة، عن محمد بن سلام الجمحي عن زائدة بن أبي الرقاد عن ثابت عن أنس نحو حديث أبي داود، قال ابن عدي: تفرد به زائدة عن ثابت، وقال الطبراني: تفرد به محمد بن سلام، وقال ثعلب: رأيت يحيى بن معين في جماعة بين يدي محمد بن سلام فسأله عن هذا الحديث، وقد قال البخاري في زائدة: إنه منكر الحديث، وقال ابن المنذر: ليس في الختان خبر يرجع إليه، ولا سند يتبع›› انتهى كلام الحافظ ابن حجر([5]).

وقد أشار الإمام الشوكاني إلى حديث أم عطية وأورد فيه مثل ما ذكره الحافظ ابن حجر مما أشير إليه آنفًا([6]).

ولكون هذه الآثار ضعيفة المبنى لما في بعض رواتها من التدليس، ومن لا يحتج بروايته، فقد تباينت آراء الفقهاء في هذه المسألة:

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: أشير إلى أن الروايات قد اختلفت في ختان النساء فذكر بعضها أنه سنة، وقيل إنه مكرمة([7]).

وفي مذهب الإمام مالك: أنه مندوب استدلالًا بحديث أم عطية([8]).

وفي مذهب الإمام الشافعي: الختان واجب على الرجال والنساء، وهذا هو المذهب، وقيل إنه واجب في الرجل وسنة في المرأة.

وفي مذهب الإمام أحمد بن حنبل: الختان واجب على الرجال ومكرمة في حق النساء، وليس بواجب عليهن. قال الإمام ابن قدامة: وهذا قول كثير من أهل العلم. وقال الإمام أحمد: الرجل أشد([9]).

أما من الفقهاء المحدثين فقد ذكر السيد سابق في فقه السنة أن أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة ولم يصح منها شيء([10]).

قلت: إن ختان البنات ربما هو عادة أكثر منه تشريعًا، وقد رأينا أن رواية الحديثين أو الأحاديث التي وردت فيه مشوبة بالضعف والتدليس، وبقاء هذه العادة في مصر وبلاد النوبة إلى اليوم يعد مجرد تسلسل تاريخي منذ زمن الفراعنة؛ ذلك أن من الصعب اندثار العادات التي انطبعت في نفوس الناس، وتوارثوها جيلًا بعد جيل، فعادة دفع الزوجة المهر لزوجها -مثلًا- عادة هندية قديمة، ومع أن الإسلام قد أبطل هذه العادة، وجعل المهر على الزوج لزوجته، ومع أن الإسلام ساد في الهند سنين طويلة إلا أن هذه العادة لا تزال قائمة بين المسلمين في الهند والباكستان. وكما أن الإسلام قد أبطل كثيرًا من عادات الجاهلية كبخس المرأة حقوقها، والطعن في الأنساب، والنياحة على الميت، ومع ذلك فإن بعض هذه العادات لا تزال قائمة عند بعض المسلمين وكأنها تشريع فرضه الله عليهم.

ومذهب الإمام الشافعي قد ساد في مصر، ولعل الذي قال في المذهب بـوجوب ختن النساء، قد تأثر بهذه العادة التي كانت سائدة في مصر وبلاد النوبة وما جاورها.

قلت: ولم أجد دليلًا على أن السلف كانوا يختنون بناتهم، ناهيك أن هذه العادة ليست منتشرة في الأماكن التي نزلت فيها الرسالة والتشريع -مكة والمدينة وما جاورهما من مناطق المملكة العربية السعودية- وإن وجدت فهي ما يشبه النادر. ولو كان ختان البنات مشروعًا بشكل قاطع لكان ذلك متوارثًا ومنتشرًا في هذه الأماكن، الأمر الذي يدل على أن الختان للرجال فقط، لكونه من سنن الفطرة وليس للنساء.

وينبني على هذا أن ختان البنات في صغرهن يعد عادة، ولم يرد فيه حكم أو نص قاطع، فيبقى في الغالب الأعم في دائرة العادات، وحيث إن كثيرًا من الأطباء يرى فيه ضررًا على البنت فلا يجوز إذًا فعله؛ لأن حفظ النفس في (كلها) أو (جزئها) يعد من الضرورات الشرعية، وكل تعد بالضرر على هذا الكل أو الجزء يعد محرمًا.

والله أعلم.

([1]) أخرجه الإمام أحمد في المسند، ج5 ص75، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ج8 ص325، ضعف أسانيده ابن الملقن في خلاصة البدر المنير، (٢/٣٢٨).

([2]) تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، ج4 ص1407.

([3]) قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث، ج2 ص503: ‹‹شبه القطع اليسير بإشمام الرائحة، والنهك المبالغة فيه، أي اقطعي بعض النواة، ولا تستأصليها››.

([4]) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب ما جاء في الختان، وقال: ‹‹محمد بن حسان مجهول وهذا الحديث ضعيف ››، سنن أبي داود، ج4 ص368-369، برقم (527)، وذكره الهيثمي في باب الختان، من كتاب اللباس، مجمع الزوائد، ج5 ص172، وصححه السيوطي في الجامع الصغير، (٢٩٦).

([5])تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير للحافظ ابن حجر العسقلاني، ج4 ص1407-1408.

([6])نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، ج1ص137-139، باب الختان.

([7])الفتاوى الهندية للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند، ج5 ص436، والاختيار لتعليل المختار لابن مودود الموصلي، ج3 ص167.

([8])بلغة السالك لأقرب المسالك للصاوي، ج1 ص312، وأسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك للكشناوي، ج3 ص364، والقوانين الفقهية لابن جزي، ص129.

 ([9])المجموع شرح المهذب للإمام النووي، ج1 ص300.

([10]) فقه السنة، ج1 ص36.