الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالجواب: أن الأصل عدم أخذ الأجر على العبادات، كالإمام حين يؤم الناس للصلاة، والمؤذن حين ينادي للصلاة، والمعلم الذي يعلم القرآن، ومن يقرأ القرآن، ونحوهم ممن يناط به أداء عبادة من العبادات؛ ولكنْ نظرا لحاجة العبد إلى ما يغنيه في حياته من طعام وكساء فقد قال أهل العلم: إنه لا بأس من أخذ الأجر لمن يناط به أداء العبادات، فعلى هذا يجوز لمن يناط به أي نوع من العبادات أخذ الأجر لمعاشه وحاجاته، إذا كان مكلفًا بذلك، كالمعلم والإمام والمؤذن.
أما إذا كان غير مكلف بذلك، وإنما يتخذالقراءة مهنة، ويقصد التكسب بالقرآن، فهذا لا يجوز، ولكن إذا أُعطي من يقرأ القرآن شيئًا على سبيل الصدقة لحاجته، أو مقابل عملٍ-كالرقية رَقَى بها مريضًا-فلا حرج في ذلك، والأصل فيه ما رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانُوا فِي سَفَرٍ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَاسْتَضَافُوهُمْ، فَلَمْ يُضِيفُوهُمْ، فَقَالُوا لَهُمْ : هَلْ فِيكُمْ رَاقٍ؛ فَإِنَّ سَيِّدَ الْحَيِّ لَدِيغٌ أَوْ مُصَابٌ؟، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: نَعَمْ! فَأَتَاهُ، فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا، وَقَالَ: حَتَّى أَذْكُرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَتَى النَّبِيَّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَاللَّهِ مَا رَقَيْتُ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ»؟، ثُمَّ قَالَ: «خُذُوا مِنْهُمْ، وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ»([1]).
فالحاصل: أنه لا يجوز التكسب بالقرآن، أو اتخاذه مهنة للتكسب، وإنما يجوز في حال الرقية، كما دل عليه الحديث المشار إليه في قصة اللديغ. والله -تعالى- أعلم.
[1] أخرجه البخاري (2276)، ومسلم (2201) مختصرًا.