سؤال من الأخ: نادر. ب. من الجزائر، يقول: ما حكم الشرع في قول من يقول لربه: «أقسمت بك عليك»؟

حكم قول: (أقسمت بك عليك)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين، وعلى آله وصحابته، ومن تبعهم إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن الله -عز وجل- يقسم بما يشاء من آياته ومخلوقاته كقسمه بالفجر والليالي العشر في قوله -عز ذكره-: ﴿وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر: 1-4]، وكقسمه بالليل والنهار في قوله: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [الليل: 1-2]، وكقسمه في قوله: ﴿وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ [الضحى: 1-2].

وأما قسم العباد فقسم مشروع وقسم غير مشروع، أما القسم المشروع فكون العبد يقسم بالله في خصومة يرى بأنه محق فيها، أو يقسم على أي أمر من أمور الدنيا، فهذا القسم ينعقد، فإما أن يكون المقسم محقًّا فيما أقسم فيه أو يحنث فيه، وهذا القسم شائع ومعروف بين الناس، والأصل فيه أن المقسم يقسم بالله؛ توكيدًا لقسمه بتعظيم المقسم به، وهو الله -عز وجل-، وهذا القسم عظيم في مبناه ومعناه، كما قال -عز وجل-: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ [الواقعة: 76].

أما القسم غير المشروع فقسم العبد (على الله)، وهذا القسم لا معنى له؛ لأن العبد محكوم أصلًا بقدرة الله وتدبيره وتصرفه في مخلوقاته، وهو جزء من هذا الحكم، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، فعلى هذا يعد قسمه على الله غير مشروع أي محرم.

وشاهد ذلك ما ورد أن أحد العباد كان يمر برجل عاص لله، وكلما مر به نهاه عما يفعل، فلم ينته، فقال: والله لا يغفر الله لفلان. فقال -عز وجل-: ((مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ: أَنْ لا أَغْفِرَ لِفُلانٍ؟ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ)) قال أبو هريرة: تكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته([1]). ومثل هذا يحدث كثيرًا بين الناس، حين يعجب العبد بعبادته وحسن سلوكه، فإذا رأى في غيره لا يفعل مثله، واعتقد أنه على ضلال، فظن أن الله لا يغفر له، فهو بهذا يَتَأَلَّى، ومن يَتَأَلَّى عليه فقد حاد عن الصراط المستقيم.

وقد يقول قائل بأن الله يبر بقسم عبد من عباده إذا أقسم عليه، والدليل حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((رُبَّ أشعثَ أغبرَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره))([2])، قال الإمام النووي في شرح الحديث: “أي حلف على وقوع شيء أوقعه الله إكرامًا له، بإجابة سؤاله، وصيانته من الحنث في يمينه، وهذا لعظم منزلته عند الله -تعالى-، وإن كان حقيرًا عند الناس، وقيل: معنى القسم هنا: الدعاء، وإبراره: إجابته”([3])، هذا هو الصحيح؛ لأن الله -عز وجل- أمر الضعفاء المستضعفين من عباده، فيستجيب لدعائهم، ويبر قسمهم، والشاهد فيه أيضًا حديث أنس -رضي الله عنه- أنَّ الرُّبَيِّعَ وهي ابْنَةُ النَّضْرِ كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ، فَطَلَبُوا الأرْشَ، وطَلَبُوا العَفْوَ، فأبَوْا، فأتَوُا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فأمَرَهُمْ بالقِصَاصِ، فَقالَ أنَسُ بنُ النَّضْرِ: أتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرُّبَيِّعِ يا رَسولَ اللَّهِ؟ لا والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ، لا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا، فَقالَ: ((يا أنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ القِصَاصُ))، فَرَضِيَ القَوْمُ وعَفَوْا، فَقالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ مِن عِبَادِ اللَّهِ مَن لو أقْسَمَ علَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ))، فَرَضِيَ القَوْمُ وقَبِلُوا الأرْشَ([4])، فقسم أنس بن النضر لم يكن قسمًا على الله، وإنما صعب عليه كسر ثنية الربيع، فذكَّرَه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن ذلك حكم الله في كتابه، فسكت أنس عندئذ، ونزلت السكينة على الخصوم، فعفا أهل المرأة، فبَرَّ اللهُ بقسم أنس؛ لأنه لم يعترض على حكم الله وحكم رسوله، بل كان مؤمنًا ومصدقًا لهذا الحكم.

وحاصل القول: إنه لا يجوز القسم على الله؛ لأنه -عز وجل- يقسم بما يشاء من آياته ومخلوقاته، أما عباده فيقسمون (به) تعظيمًا له، ولكن لا يجوز لهم أن يقسموا (عليه)؛ لأنهم محكومون أصلًا بقدرته وتدبيره وتصرفه فيهم، ولا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًّا.

([1]) أخرجه مسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، برقم: (2621)، (8/36).

([2]) أخرجه مسلم، كتاب: البر والصلة والآداب، برقم: (2622)، (8/36).

([3]) شرح النووي لصحيح مسلم، (16/175).

([4]) أخرجه البخاري، كتاب: الصلح، باب: الصلح في الدية، برقم: (2703)، (3/186).