الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
قيل لا يجوز نقل الزكاة من بلد المزكي إلى بلد آخر؛ استدلالًا بما ورد من أحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنها قوله لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن: (أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم)([1]).
ومنها ما رواه أبو جحيفة -رضي الله عنه-: قال قدم علينا مصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (فأخذ الصدقة من أغنيائنا، فجعلها في فقرائنا، فكنت غلامًا يتيمًا فأعطاني قلوصًا)([2]).
وقد أجمع الفقهاء -رحمهم الله- على جواز نقل الزكاة إلى بلد آخر إذا كان أهل هذا البلد في حاجة وأهل بلده غير محتاجين؛ لأن من مقاصد الشريعة أن تبلغ الزكاة لمن يستحقها دون تحديد للمكان، فإذا كان المزكي في بلد أهله أحسن حالًا في معاشهم، وأهل بلد آخر أقل حسنًا في هذا المعاش، فالأولى أن تدفع الزكاة إلى أهل هذا البلد، وإذا كان للمزكي قريب محتاج في بلد آخر، جاز نقل الزكاة له، ولو كان أهل بلد المزكي في حاجة؛ لأن القريب هنا أولى بالمعروف.
ويمكن للمزكي أن يدفع زكاة ماله إلى أهل بلد آخر، إذا كانوا في حاجة؛ عملًا بقول الله -عز وجل-: {وَتَعَاوَنُـوْا عَلَى الْبِـرِّ وَالتَّقْوٰى}، [المائدة: 2]، وقول رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: (وَاَللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)([3])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (ما آمن بي من بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه، وهو يعلم به)([4]).
والله -تعالى- أعلم.
[1] – أخرجه البخاري في كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة برقم (1395).
[2] – أخرجه الترمذي في كتاب باب ما جاء أن الصدقة تؤخذ من الأغنياء فترد في الفقراء برقم (649)، قال البغوي في شرح السنة، (٣/٣٠٩): حسن.
[3] – رَوَاهُ مُسْلِمٌ رقم ( 2699).
[4] – أخرجه البزار كما في مجمع الزوائد للهيثمي (8/170)، والطبراني (1/259)، (754) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (5505).