الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
لقد حدد الله المستحقين للزكاة بقوله -عز ذكره-: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}، [التوبة:60]، ولما سأل رجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يعطيه من الصدقة، قال له -عليه الصلاة والسلام-: “إنَّ اللهَ لم يرضَ بحكمِ نبيٍّ ولا غيرِه في الصَّدقاتِ، حتَّى حكم فيها هو، فجزَّأها ثمانيةَ أجزاءٍ، فإن كنت من تلك الأجزاءِ أعطيتُكَ حقَّكَ”([1])، والمراد بـ(السبيل) كل عمل يؤدي إلى مرضاة الله، وينفع عباده، وقد تعددت الآراء تجاه ما يعد من سبيل الله، وما لا يعد منه، فيعد منه تجهيز جيوش المجاهدين بالسلاح والمؤن، إذا لم يكن هناك من يقوم بهذا، كما يعد من سبيل الله الإنفاق على المجاهدين وأولادهم ما داموا في الجهاد، والإنفاق كذلك على المدارس ودور العلم والدعاة إلى الله، إذا لم يكن هناك من يقوم به، وكذا المنقطعين لهذه الدعوة، والإنفاق كذلك على المستشفيات العامة؛ لما تقوم به من معالجة المرضى، كما يعد من سبيل الله في هذا الزمان الإنفاق على البحوث العلمية، وأعمال الجمعيات الخيرية التي تراقب المحتاجين وتساعدهم.
وقيل لا يجوز دفع الزكاة لبناء المساجد، ولا لحماية المقابر، أو إصلاحها، وكذا بناء القناطر والطرقات، ونحو ذلك.
قلت: والأصح -والله أعلم- أن بناء المساجد من أهم ما تصرف فيه الزكاة، خاصة في البلاد التي فيها أقليات إسلامية، لا يستطيعون بناءها، ولا تساعدهم حكوماتهم في ذلك، كما هو الحال في بعض البلدان في أفريقيا وآسيا.
والمساجد بيوت الله في الأرض، كما قال -عز ذكره-: {في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وايتاء الزكاة}، [النور: 36 –37].
وفي بنائها أجر عظيم، وفيها منفعة لعباد الله، حيث يعبدون الله ويذكرونه فيها؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة)([2]).
ويشترط في دفع الزكاة لبناء المساجد، ألا تكون حكومة البلاد تقوم بهذا البناء، وألا يكون هناك أعداد كبيرة من المساجد في المكان، فالأصل أن يكون البناء للحاجة، كما هو الحال في حاجة الأقليات الإسلامية في العالم للمساجد كما ذكر.
والله -تعالى- أعلم.
[1] أخرجه مسلم (1044).
[2] – صحيح ابن حبان برقم (161)، صححه شعيب الأرنؤوط في تخريج شرح السنة، (١/١٠٦).