سؤال من الأخ م‮ … ‬زهير من ولاية تيبازة من الجزائر عن صفة‮ ‬كلام الله عز وجل،‮ ‬وهل هذه الصفة ذاتية أم فعلية؟‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

صفة كلام الله عز وجل

والجواب: أن لله -عز وجل– صفات ذاتية، وصفات فعلية. أما الصفات الذاتية فهي التي اتصف ويتصف بها على الدوام؛ لا تتبدل ولا تتغير، ولا تتحول، ولا تزول؛ لأنها ملازمة لذاته العلية لا تنفك عنها. وهذه الصفات على نوعين:حكمية، وموصوفة؛ فالحكمية مثل علمه، وحكمته، وإحاطته بكل ما كان، وما سيكون. والموصوفة هي ما أخبر عنه عز وجل في كتابه العزيز من صفة الحياة كما في قوله تعالى:{اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:552] . وقوله:{وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ} [الفرقان:85]. وقوله:{هُوَ الْحَيُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[غافر:56].

وما أخبر عنه عز وجل من صفة اليدين، كما في قوله عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء}[آل عمران:37]. وقوله:{بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء}[المائدة:46]. وما أخبر عنه عز وجل من صفة الوجه، كما في قوله:{ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ}[الروم:83]. وقوله:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام}[الرحمن:72].

وأما الصفات الفعلية؛ فهي كل ما مناطه قدرته ومشيئته المطلقة. كما في قوله عز وجل:{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران:581] . وقوله:{اللّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}[النساء:78] . وقوله:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد} [إبراهيم:٧] . وقوله عز من قائل: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِين}[التكوير: 92].

وكلام الله تعالى صفة ذاتية؛ لأنه عز وجل لم يزل، ولا يزال متكلماً على النحو الذي يصدر عنه جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه. كما أن كلامه صفة فعلية؛ لأنه يصدر من فعله عز وجل.

ووصف الله بالتكلم، مما يوصف به عز وجل من الكمال؛ فهو كامل في أسمائه، وصفاته، وكلامه. والأصل في كلامه كتابه العزيز وسنة رسوله محمد r. أما الكتاب، فمنه قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ} [البقرة:352]. وقوله:{وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:461]. وقوله جل ثناؤه:{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف:341].وقوله عز من قائل:{وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[البقرة:471] .

وأما السنة:فمنها ما رواه جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- أن رسول الله r قال:(بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور. فرفعوا رؤوسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم. فقال:السلام عليكم، يا أهل الجنة ! قال وذلك قول الله:سلام قولاً من ربٍّ رحيم، قال فينظر إليهم وينظرون إليه. فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه، حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم)([1]). وما رواه عدي بن حاتم  أن رسول الله r  قال:(ما منكم من أحد إلا يكلمه ربه، ليس بين الله وبينه ترجمان)([2]). وما رواه جابر عن عبدالله بن أنيس -رضي الله عنهما– قال:سمعت رسول الله r يقول: (يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد، كما يسمعه من قرب:أنا الملك، أنا الديان)([3]). وما رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه– أن رسول الله r  قال:(إن الله تعالى يقول لأهل الجنة:يا أهل الجنة فيقولون:لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك. فيقول:هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك. فيقول:ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون:يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول:أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً)([4]).

فدلت هذه الآيات، والأحاديث على أن الله يتكلم، ولا يزال متكلماً بما شاء، ومتى شاء؛ فالمؤمن يؤمن حقًّا وصدقاً أنه عز وجل يتكلم، وليس عليه أن يتأول ويحاول فيما ليس له به علم؛ فيضل بذلك عن سواء السبيل، كما ضل أصحاب التشبيه، والتجسيم، والتعطيل،وأصحاب الفرق الذين ضلوا وأضلوا حين ألقى الشيطان في روعهم، ووسوس في صدورهم؛ فدخلوا في قول الله عز وجل: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد}[البقرة: 671].

قلت: والقرآن كلام الله عز وجل، أنزله وحياً على نبيه ورسوله الأمين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؛ فآمن به وصدقه المؤمنون، وأقروا وأيقنوا أنه غير مخلوق، وأنه كلام الله حقًّا؛ أنزله هدى للمتقين،ورحمة للعالمين ونذيراً للمشركين والكافرين، وقد  توعد من تأول فيه، أو كذبه، أو زعم أنه غير كلامه. وكان على رأس المتوعَّدين -بفتح العين– الوليد بن المغيرة المخزومي الذي تكبر، واستكبر وزعم أن القرآن سحر، وأنه من قول البشر، فأنزل الله فيه قوله:

{فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَر*إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَر*سَأُصْلِيهِ سَقَر*وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَر*لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَر}[المدثر:24–28].

وأهل السنة من المذاهب الأربعة وغيرهم من عامة المسلمين من الموحدين متفقون على أن القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود؛ وأنه منزل من عنده، وقد دل على ذلك كتابه العزيز، فقال جل ثناؤه وتقدست أسماؤه: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين} [النحل:١٠٢]. وقال عز وجل:{وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا*وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلا} [الإسراء:501–601]. وقال عز من قائل:{تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم} [الزمر:١]. {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيم}[غافر:٢]. {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم} [فصلت:٢]. وقال تقدست أسماؤه:

{إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِين*فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيم*أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين} [الدخان:3-5].

وبهذا، فإن المسلم الحق يبرأ إلى الله مما يقوله أصحاب الفرق الحلولية، والجهمية، والمعتزلة، والاتحادية وغيرهم من سائر الزنادقة والمنحرفين، سواء في الماضي أم الحاضر، وأقول في ذلك ما قاله الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي -رحمه الله-:«ونحن وجميع أهل السنة والجماعة نُشهد الله الذي أنزله بعلمه وشهد به، ونشهد ملائكته الذين شهدوا بذلك، ونشهد رسوله الذي أنزل عليه وبلغه إلى الأمة، ونشهد جميع المؤمنين الذين صدقوه وآمنوا به:أنا مؤمنون مصدقون، شاهدون بأنه كلام الله عز وجل وتنزيله، وأنه تكلم به قولاً وأنزله على رسوله وحياً. ولا نقول إنه حكاية عن كلام الله عز وجل أو عبارة، بل هو عين كلام الله حروفه ومعانيه، نزل به من عنده الروح الأمين، على محمدr خاتم المرسلين، وكل منهما مبلغ عن الله عز وجل. والكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً، لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً، قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:76]. وقال تعالى:{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِين}[المائدة:29]. وقال تعالى: {فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِين}[النور:45]. وقال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاَغُ} [الشورى:84] .وقال تعالى:{قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا*إِلاَّ بَلاَغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ}[الجن:٢2–32]. والآيات في هذا كثيرة جدًّا، يخبر تعالى عن رسوله أنه مبلغ عنه مؤدٍّ لما أرسله به، وهذا يعرفه كل أحد يعقل لفظة (رسول فإن الرسول لا بد له من مرسل برسالاته. فالمرسِل الله عز وجل، والرسالة هي القرآن، والمرسَل محمد r المبلغ رسالة ربه» انتهى([5]).

وخلاصة المسألة: أن لله عز وجل صفات ذاتية وفعلية، أما صفاته الذاتية فهي التي اتصف ويتصف بها على الدوام، لا تتبدل ولا تتغير ولا تتحول ولا تزول؛ لأنها ملازمة لذاته العلية. وهذه الصفات على نوعين: حكمية وموصوفة؛ فالحكمية مثل علمه وحكمته وإحاطته بما كان وما سيكون. والموصوفة هي ما أخبر عنه عز وجل في كتابه من صفة الحياة وصفة الوجه واليدين.

وأما الصفات الفعلية فهي كل ما مناطه قدرته ومشيئته المطلقة.

وكلام الله تعالى صفة ذاتية؛ لأنه لم يزل ولا يزال متكلماً على النحو الذي يصدر عنه جل ثناؤه. كما أن كلامه صفة فعلية، لأنه يصدر من فعله عز وجل. ووصف الله بالتكلم مما يوصف به عز وجل من الكمال فهو كامل في أسمائه وصفاته وكلامه. والأصل في كلامه عز وجل آيات كثيرة من كتابه العزيز، وسنة رسوله الأمين محمدr عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

والقرآن كلام الله عز وجل، أنزله وحياً على نبيه ورسوله الأمين محمد rفآمن به المؤمنون وأقروا وصدقوا أنه كلام الله، وأنه غير مخلوق، أنزله الله على نبيه هدى للمتقين، ورحمة للعالمين، ومنذراً للمشركين والكافرين، وقد توعد بالنار من كذبه أو زعم أنه غير كلامه.

وأهل السنة والمسلمون الموحدون من السلف والخلف، متفقون على أن القرآن كلام الله، وأنه غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.

([1]) أخرجه ابن ماجة في المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، سنن ابن ماجة، ج١ ص٣٦-٤٦، برقم (٤٨١).

([2]) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب من نوقش الحساب عُذّب، فتح الباري، ج١١ ص٨٠٤، برقم (٩٣٥٦) .

([3]) أخرجه البخاري في كتاب العلم، وكتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير} ، ولم يقل ماذا خلق ربّكم، فتح الباري ج٣١ ص١٦٤ .

([4] ) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، ج٣ ص٨٨ .

([5]) معارج القبول بشرح سلم الأصول إلى علم الأصول في التوحيد، ج١ ص٧٠٢-٨٠٢ .